صندوق قطر السيادي يعزز استثماراته في التكنولوجيا

بينما استحوذت الخطوط الجوية القطرية على اهتمام عالمي هذا الأسبوع بعد طلبية ضخمة تقارب 100 مليار دولار من طائرات «بوينغ»، خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج، كان صندوق الثروة السيادي القطري يتحرك بهدوء نحو استثمارات قد تكون أكثر تأثيراً على المدى الطويل.

فقد بدأ «جهاز قطر للاستثمار»، الذي تبلغ قيمة أصوله نحو 526 مليار دولار، بتسريع توجهه نحو استثمارات الأسهم الخاصة المركّزة في قطاع التكنولوجيا، وفقاً لبيانات من «ستاندرد آند بورز غلوبال». فعلى مدى العقدين الماضيين، دعم الصندوق نحو 90 شركة خاصة دولية، بينها 21 شركة في مجال التكنولوجيا الحيوية و11 شركة برمجيات، كما شملت استثماراته قطاعات المعدات الصحية والترفيه والضيافة.

وخلال عام 2025، استثمر الجهاز حتى الآن في ست شركات، خمس منها في أميركا الشمالية وواحدة في الهند، تمثّلت في سلسلة مطاعم «ريبيل فودز» (Rebel Foods) التي تعمل وفق نموذج المطابخ السحابية. أما الاستثمارات في أميركا الشمالية، فتوزعت بين شركات في مجالات الصحة والتكنولوجيا الحيوية والبرمجيات، من أبرزها المشاركة في جولة تمويلية بقيمة 15 مليار دولار لشركة «داتابريكس» (Databricks) المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وهي من أكبر صفقات الجهاز في القطاع حتى الآن.

ووفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، يبدو أن التزام قطر بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي آخذ في التوسع، إذ شارك الجهاز في أواخر 2024 في جولة تمويلية بقيمة 6 مليارات دولار لشركة «إكس إيه آي» (xAI) التابعة لإيلون ماسك.

كذلك الأمر في أوروبا، حيث عزز «جهاز قطر للاستثمار» حضوره في قطاع التكنولوجيا، بعد أن تعهّد عام 2024 بضخ 300 مليون يورو إضافية، أي نحو 336 مليون دولار، في منصة «بي بي آي فرانس» (Bpifrance) الفرنسية لريادة الأعمال، وشارك معها في قيادة استثمار مشترك في شركة الحوسبة الكمومية الباريسية «أليس آند بوب» (Alice & Bob). كما أصبح الجهاز مستثمراً رئيسياً في صندوق «أرديان سيميكونداكتور» (Ardian Semiconductor) الموجه نحو قطاع أشباه الموصلات في أوروبا.

وأوضحت كارين يونغ، الباحثة في «مركز سياسة الطاقة العالمية» في جامعة كولومبيا: «تسعى الصناديق السيادية الخليجية إلى دعم جهود التوطين في قطاع التكنولوجيا المحلية والتصنيع، وهناك اهتمام خاص بالاستحواذ على حصص مؤثرة في شركات الحوسبة والذكاء الاصطناعي».

وتعكس هذه التحولات في توجهات الجهاز نمطاً أوسع بين صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي. نفذ الجهاز استثمارات كبرى في شركات عالمية مثل «باركليز» (Barclays) و«فولكس فاجن» و«سينسبري» (Sainsbury’s) البريطانية. ولاحقاً غيّر الاستراتيجية، واتجه نحو تنويع الاستثمارات.

وأصبح هذا التحول أكثر وضوحاً خلال السنوات الأخيرة، إذ لم يشارك الجهاز إلا في 6 صفقات أسهم خاصة عام 2020، وارتفع العدد إلى 13 صفقة في كل من عامي 2021 و2022، ليبلغ ذروته عند 19 صفقة في عام 2023.

وتوضح يونغ: «نشهد توجّهاً عاماً بين صناديق الثروة السيادية الخليجية نحو الاستثمار في الأسهم الخاصة بدلاً من الحصص في الشركات المدرجة، وهو ما ينسجم مع تحركات جهاز قطر للاستثمار».

وأشار خافيير كابابي، مدير أبحاث صناديق الثروة السيادية في جامعة (IE) للأعمال في إسبانيا إلى أن «جهاز قطر للاستثمار» هو صندوق شامل يوازن بين الأهداف الاستراتيجية والطويلة الأمد، حيث يقترن استثماره في أصول رمزية برهانات استثمارية ذات عوائد مرتفعة.

وعلاوة على استثماراته في الشركات الخاصة، يمتلك الجهاز وذراعه الاستثمارية «قطر القابضة» حصصاً كبيرة في 34 شركة مدرجة حول العالم، تتجاوز قيمة كل منها 300 مليون دولار. وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات العامة نحو 80 مليار دولار، تشمل حصة بقيمة 9 مليارات دولار في شركة المرافق الإسبانية «إيبردرولا» (Iberdrola)، و5 مليارات دولار في بورصة لندن، و3.4 مليارات دولار في شركة التعدين «غلينكور» (Glencore).

أما محلياً، فيمتلك الجهاز حصصاً في أصول وطنية رئيسية، من بينها «بنك قطر الوطني»، أكبر بنك في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا من حيث الأصول، وشركة «أوريدو» للاتصالات، وشركة «صناعات قطر» المتخصصة في البتروكيماويات والأسمدة.