خاص
خاصأشباه الموصلات - رويترز

حرب الرقائق.. صراع صيني أميركي على أميركا اللاتينية

تمثل أشباه الموصلات، التي يشار إليها غالبا باسم "أدمغة" الأجهزة الإلكترونية، قلب التقدم التكنولوجي الحديث، الذي يشمل جميع المنتجات من الإلكترونيات إلى الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، ولعل ذلك ما يفسر الصراع المحتدم بين القوى الكبرى تكنولوجيا، من أجل انتزاع أكبر حصة من تلك الكعكة الدسمة.

وتعد أشباه الموصلات سوقا ضخما وواعدا، إذ يشير موقع "ستاتيستا" الإحصائي، إلى أنه من المتوقع أن تصل الإيرادات في هذا السوق، إلى 553 مليار دولار أميركي في عام 2023.

ومع بروز مناطق معينة كنقاط مضيئة في هذا السوق، تتصارع بكين وواشنطن على من يتودد أولا إلى دول هذه المناطق، وأبرز مثال على ذلك دول أميركا اللاتينية.

خطوات أميركية

في يوليو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن شراكات جديدة مع كوستاريكا وبنما لاستكشاف فرص توريد سلاسل أشباه الموصلات. وللتوضيح، تندرج هذه الشراكات في إطار الصندوق الدولي لأمن التكنولوجيا والابتكار، الذي أنشأه قانون "تشيبس" الذي وقعه الرئيس الأميركي جو بايدن في أغسطس عام 2022.

ويزود الصندوق وزارة الخارجية الأميركية بمبلغ 500 مليون دولار من أجل "توسيع التصنيع العالمي لأشباه الموصلات؛ وسلاسل توريد أشباه الموصلات الآمنة؛ وتطوير ونشر شبكات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآمنة والجديرة بالثقة من خلال برامج ومبادرات جديدة مع الحلفاء والشركاء".

المساعي الأميركية لعقد مثل هذه الشراكات، برزت في أعقاب المؤتمر الأول لأشباه الموصلات في أميركا الشمالية، الذي عقد في واشنطن في مايو الماضي، ونظمته الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، كجزء من سلسلة من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتعزيز مرونة سلسلة توريد أشباه الموصلات في أميركا الشمالية.

ومن خلال المبادرات الأميركية في هذه المنطقة، يسعى بايدن بنشاط إلى تحقيق هدف واضح؛ وهو تقليل اعتماد دولها على الإنتاج التكنولوجي القادم من آسيا ونقل تصنيع أشباه الموصلات بشكل استراتيجي إلى مناطق بالقرب من حدود أميركا. لكن جهوده تواجه تحديات بسبب التوغل المتنامي للصين في قطاع التكنولوجيا بالمنطقة.

مظاهر التوغل الصيني

يمتد وجود الصين في أميركا اللاتينية إلى قطاعات تكنولوجية متعددة، من البنية التحتية للاتصالات والمراقبة إلى مراكز البيانات والخدمات السحابية.

ففي قطاع الاتصالات، عملت شركة "هواوي" الصينية، اعتبارًا من عام 2019، في 20 دولة في أميركا اللاتينية بحصة سوقية تتجاوز 20% في أربع دول منها.

واستحوذت هواوي على حصة سوقية تبلغ 50% من معدات الاتصالات في البرازيل، كما تقود الشركة عمليات نشر معدات شبكات الجيل الخامس في أميركا اللاتينية، خاصة في تشيلي وبيرو والبرازيل.

وبالنسبة لأنظمة المراقبة، فقد دخلت الشركات الصينية، مثل "هيكفيشن" للتكنولوجيا الرقمية، وشركة "داهوا" الرائدة في مجال منتجات المراقبة بالفيديو، إلى أسواق أميركا اللاتينية في عام 2007.

وفي عام 2022، استحوذت هيكفيشن على أكبر شركة لأنظمة الأمن في المكسيك، وتم نشر أنظمة الكاميرات الأمنية الصينية في مكسيكو سيتي؛ جورج تاون، غيانا؛ خوخوي، الأرجنتين؛ وكولون، وبنما.

اتفاقيات واسعة

في وقت سابق من هذا العام، وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره البرازيلي لويز إيناسيو "لولا" دا سيلفا على 15 اتفاقية متعلقة بالتكنولوجيا، بما في ذلك الالتزام بإنشاء مجموعة عمل لمتابعة التعاون في مجال أشباه الموصلات.

وتسمح الاتفاقية للصين بالوصول إلى أسواق وموارد أميركا اللاتينية، مع إمكانية الاستفادة من القوى العاملة والقدرات البحثية في البرازيل لتعزيز صناعة أشباه الموصلات لديها.

وفي مايو 2022، أعلنت الصين إطلاق المركز الصيني-الأرجنتيني لدراسة سياسات الابتكار والتكنولوجيا، وتجري محادثات لتطوير منشأة لإنتاج الليثيوم في محافظة كاتاماركا.

وتسيطر الصين على جزء كبير من توزيع الطاقة المنظم في تشيلي، وتسعى للاستفادة من احتياطيات الليثيوم الوفيرة لديها.

تجاريا، بدأت الصين وهندوراس التفاوض على اتفاقية تجارة حرة بعد أن أقامت الأخيرة علاقات دبلوماسية مع بكين في أواخر مارس الماضي، وأنهت علاقاتها مع تايوان. كما تعد الصين الشريك التجاري الأول للبرازيل، والأخيرة أكبر متلقياً للاستثمارات الصينية في أميركا اللاتينية.

وبصفة عامة، تُصنف الصين كأكبر شريك تجاري لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك تجاري لأميركا اللاتينية ككل، بعد الولايات المتحدة، وفقا لمنظمة "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركية.

تعتقد الولايات المتحدة أن التفوق التكنولوجي في مجال الرقائق يرتبط بشكل مباشر بالحفاظ على التفوق العسكري
الخبير الاقتصادي علي حمودي
التنافس الصيني الأميركي


قال الخبير الاقتصادي، علي حمودي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن "الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على التفوق التكنولوجي ومنع ظهور الصين كدولة رائدة في صناعة أشباه الموصلات".
وأضاف: "لأن التكنولوجيا مهمة في التقنيات العسكرية من الجيل التالي، تعتقد الولايات المتحدة أن التفوق التكنولوجي في هذا المجال يرتبط بشكل مباشر بالحفاظ على التفوق العسكري".

حمودي قال أيضا إنه "في هذا السياق، من المستبعد أن يدعم قانون الرقائق التي أصدرته أميركا في وقت سابق، صناعة أشباه الموصلات الأميركية إلى أجل غير مسمى، ولا توجد قاعدة طلب عالمية أخرى تحل محل الصين".

واستطرد: "سوف تنشق الدول المنتجة للرقائق حتماً عن صف واشنطن وتبيع هذه التكنولوجيا المتطورة للصين (كما فعلت من قبل)، وستكون الإجراءات الأميركية لوقف مثل هذا التعاون بين الطرفين بلا جدوى".

ومضى الخبير الاقتصادي علي حمودي قائلا: "بعد حظر الولايات المتحدة تصدير الرقائق والمدخلات الأساسية الأخرى في هذا المجال، إلى الصين، سعت الأخيرة نحو بناء الاكتفاء الذاتي من هذه المنتجات في وقت أبكر بكثير مما كانت تخطط له".

وأوضح حمودي "قبل حظر هواوي وزد تي إيه، كانت الصين راضية بمواصلة شراء الرقائق الأميركية والتركيز على الأجهزة الأمامية للحواسب، والآن تقود بكين بالفعل التطبيقات الرئيسية والطلب على أشباه الموصلات".

وتابع: "إطلاق البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، وتكنولوجيا البطاريات، هو النقطة المثالية لأشباه الموصلات، وهذا هو المسار الذي تقوده الصين في الوقت الحالي".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com