خاص
خاصواشنطن وبكين- Shutterstock

هواوي وسميك.. بكين تخترق حصار واشنطن لصناعة الرقائق

تبني الولايات المتحدة جدارًا من العقوبات حول شركات التكنولوجيا الصينية، وفي طليعتها هواوي، لكن الأخيرة استطاعت حفر ثقب ضخم في ذلك السور، وحققت اختراقا تسبب في وصف العقوبات الأميركية بـ"الفشل الواضح".

وفي أغسطس 2023، كشفت هواوي عن هاتف "هواوي ميت 60 برو" الذكي، بقيمة تبدأ بـ900 دولار أميركي، ومزود بقدرات 5G ومعالج متطور.

وبهذا الكشف، أثارت "هواوي" قلق السياسيين من واشنطن إلى طوكيو، إذ يظهر الهاتف التقدم السريع الذي حققته الصين في تكنولوجيا أشباه الموصلات.

واختتمت شركة هواوي عام 2022 بصافي إيرادات بلغ نحو 91.53 مليار دولار أميركي، وهي زيادة طفيفة عن عام 2021، عندما بلغت الإيرادات 91.48 مليار دولار، وفقا للموقع الرسمي للشركة.

لكن إيرادات 2022 كانت أقل بكثير من الرقم القياسي للشركة البالغ 122 مليار دولار في عام 2019. وفي ذلك الوقت كانت الشركة في أوج تألقها كأفضل بائع للهواتف الذكية التي تعمل بنظام تشغيل أندرويد على مستوى العالم.

وفي سبتمبر 2023، أعلنت هواوي أن إيرادات الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي ارتفعت بنسبة 2.4% على أساس سنوي إلى 62.33 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 2020. وبيع أكثر من 1.6 مليون جهاز من "هواوي ميت 60 برو" خلال الأسابيع الستة الأولى من المبيعات، وفقًا لشركة "كاونتربوينت ريسيرش".

سلاح بكين السري

صمود عملاق التكنولوجيا الصيني، كشف عن قصة نجاح أخرى صنعتها بكين، في إطار التنافس الأميركي الصيني من أجل التفوق الجيوسياسي، حيث تمكنت شركة صينية غير معروفة من صناعة رقائق متطورة لشركة هواوي.

فعلى الرغم من العقوبات الأميركية، ظهرت شركة "سميك" الصينية لتصنيع أشباه الموصلات، كسلاح بكين السري الذي اخترق الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة بهدف احتواء التقدم التكنولوجي للصين.

ونجحت الشركة في تسليم معالج متطور بقياس 7 نانومتر لشركة هواوي، ما أعطى الصين نقطة تفوق في الصراع على حساب واشنطن، وتسبب في توجيه أصابع الاتهام للإدارة الأميركية بـ"الفشل الواضح"، وفقا لوكالة "بلومبرغ".

وفي الوقت الحالي، يحتفل المستثمرون المحليون بشركة "سميك"، بالصعود القوي لأسهم الشركة منذ الكشف عن هاتف هواوي الجديد، حيث قفزت قيمتها السوقية بمعدل 22%، أو حوالي 5 مليارات دولار، لتصبح ثالث أفضل الشركات أداءً على مقياس الشركات الصينية المدرجة في هونغ كونغ.

فاعلية العقوبات

وأثار هذا الكشف تساؤلات حول قدرات "سميك" وفعالية الضوابط التي تقودها الولايات المتحدة، لتقييد تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين. وتعرضت "سميك"، للقيود الأميركية لأكثر من عقد من الزمن وتم إدراجها رسميًا في القائمة السوداء عام 2020.

ووفقا للعقوبات، تفرض وزارة التجارة الأميركية رقابة وتدقيقا مشددا على مشتريات الشركة من أي معدات أو برامج ذات مدخلات أميركية، لكن واشنطن استمرت في إصدار تراخيص لموردي الشركة الصينية في حالات معينة.

والآن، يدعو المشرعون الأميركيون وخبراء الصناعة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة، وإن ترتب عليها المخاطرة بالتهدئة الحالية للتوترات بين الولايات المتحدة والصين.

وتعليقا على ذلك، قال دوجلاس فولر، الأستاذ المساعد في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال: "ليس هناك الكثير مما يمكنهم (المسؤولون) فعله ولكنهم سيصبحون أكثر صرامة تجاه سميك، وإذا لم يصبحوا أكثر صرامة بشأنها، فلن يكون لهذه العقوبات أي معنى".

ووفقا لبلومبرغ، قالت الحكومة الأميركية إن استراتيجية الرقائق الخاصة بها لا تستهدف الهواتف الذكية الصينية، بل قدراتها العسكرية. وتعد أشباه الموصلات أساس صناعة التكنولوجيا، إذ تدخل في صناعة كل شيء بدءًا من نماذج الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية إلى الطائرات بدون طيار والدبابات والصواريخ.

وقالت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، التي تشرف على القيود التكنولوجية التي تفرضها إدارة بايدن، إن الصين تفتقر إلى القدرة على صنع مثل هذه المكونات "على نطاق واسع".

• خرج المارد

من جانبه، قال بيرن جيه لين، نائب الرئيس السابق لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية "تي إس إم سي"، إن "سميك" يجب أن تكون قادرة على التقدم إلى شرائح 5 نانومتر أكثر قوة باستخدام آلات ASML التي تعمل بها بالفعل.

وتقوم الشركة بتخزين آلات تصنيع الرقائق منذ سنوات، بما في ذلك نفس نماذج معدات الطباعة الحجرية العميقة فوق البنفسجية من ASML Holding NV الهولندية والتي تم استخدامها لصنع أول أشباه الموصلات بدقة 7 نانومتر في الصناعة.

إلى ذلك، قال جان بيتر كلاينهاوس، مدير التكنولوجيا والجغرافيا السياسية في مركز الأبحاث الألماني Stiftung Neue Verantwortung eV : "لقد خرج المارد من القمقم".

وكتب تشارلز شوم وشون تشين، المحللان في "بلومبرغ إنتليجنس"، في مذكرة: "يمثل هذا علامة فارقة في تقدم أشباه الموصلات في الصين". وأضافا: "تظهر الرقاقة الصينية الجديدة أن القوة التكنولوجية العملاقة للصين تمضي قدما، وتحقق تقدما في التحايل على العقوبات الأميركية بينما تسعى بهدوء إلى الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا".

التحدي الحقيقي

في هذا الصدد، قال الباحث الأميركي في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، جيكوب سيدانوف، في حديث لـ"إرم الاقتصادية"، إن "العقوبات الأميركية أثرت على حصة هواوي الضخمة في الأسواق العالمية منذ 2019، لكن ما كشفته الشركة في أغسطس كان مفاجأة".

وأضاف: "هواوي ألقت بثقلها في السوق بالهاتف الجديد لمواجهة هواتف أبل الأخيرة، خاصة إصدارات آيفون 15". وتابع: "الأمر لا يقف عند السوق، فالولايات المتحدة الآن تعلم جيدا أن العقوبات لم تغلق الصنبور تماما على الشركة الصينية، بل لا زالت حية بكامل قوتها".

وأكمل سيدانوف: "ظهور شركة سميك كدافع رئيسي في تخطي هواوي للعقوبات ونجاح بكين، يدفع لضرورة تركيز العقوبات الأميركية على كل الشركات الصينية".

واختتم: "الشركات الصينية لديها مخزون حالي من آلات تصنيع الرقائق، لكن التحدي الحقيقي يبدأ من العام القادم وما يليه، بعد دخول اليابان وهولندا دائرة التضييق على الشركات الصينية".

رحلة صعود

وتأسست شركة "سميك" الصينية منذ أكثر من عقدين من الزمن على يد ريتشارد تشانغ، في شرق شنغهاي. ومنذ البداية، كان من الواضح أن الشركة تتمتع بمكانة مرموقة إلى حد ما في الصين، حيث حصلت على إعفاءات من الأراضي والضرائب لدعم طموحاتها، ونجحت في التغلب على منافسيها لتصبح الشركة الرائدة في مجال تصنيع أشباه الموصلات في البلاد.

ونتيجة لذلك، أصبحت "سميك" هدفًا للولايات المتحدة بعد وقت قصير من تأسيسها، ففي عام 2005، أوقفت واشنطن خطتها لشراء معدات لصناعة الرقائق بقيمة مليار دولار من شركة "أبلايد ماتريالز إنك" الأميركية.

وفي ديسمبر 2020، أدرجت إدارة ترامب الشركة في القائمة السوداء بزعم دعمها للجيش الصيني، وهو أمر نفته الشركة. وتعني هذه العقوبة أن الشركات الأميركية ستحتاج إلى ترخيص من وزارة التجارة لتزويد "سميك" بالأجهزة.

وفي أكتوبر 2022، كشفت الولايات المتحدة النقاب عن ضوابط التصدير التاريخية التي تضمنت قيودًا على بيع معدات صناعة الرقائق المتطورة إلى المصانع الصينية، أو الشركات التي تنتج رقائق بدقة 14 نانومتر أو أقل.

لكن كانت هناك ثغرات، فشركات صناعة الرقائق الأميركية معنية بتنفيذها، لكن إدارة بايدن استغرقت أشهرًا لكسب تأييد الحكومتين الهولندية واليابانية للانضمام لهذه العقوبات.

في أثناء المفاوضات، كان يمكن للشركات في هذين البلدين، مثل "ASML" و"Tokyo Electron Ltd"، الاستمرار في بيع الآلات المتقدمة للعملاء الصينيين، الذين قاموا بتخزين المعدات بسرعة. ويمكن لشركة ASML شحن أجهزة "دي يو في" المتقدمة للصين حتى نهاية العام الجاري بموجب قواعد حكومتها.

ومن جهة أخرى، تبحث وزارة العدل الأميركية فيما إذا كانت شركة "أبلايد ماتريالز" باعت معدات بمئات الملايين من الدولارات دون التراخيص المناسبة لشركة "سميك" عن طريق شحن المعدات من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية، ثم إلى الصين، حسبما ذكرت رويترز.

ولا تزال إدارة بايدن تبحث كيفية الرد على تعاون "سميك" مع هواوي، المدرجة أيضًا في القائمة السوداء.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com