في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية نتيجة السياسات الجمركية الأميركية والتحولات الجيوسياسية المرتبطة بعودة النفوذ السياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجد الصناديق السيادية الخليجية نفسها أمام مشهد استثماري متقلب يجمع بين فرص واعدة ومخاطر متزايدة.
سلطت صناديق خليجية بارزة، من بينها «مبادلة للاستثمار»، أحد صناديق الثروة الرئيسة في أبوظبي، و«صندوق نيوم للاستثمار» في السعودية، الضوء على تزايد حالة عدم اليقين في البيئة الاستثمارية العالمية، وذلك خلال مشاركتهم هذا الأسبوع في «المؤتمر العالمي لمعهد ميلكن» في لوس أنجلوس.
ورغم أن غموض قواعد التجارة الأميركية يثير القلق لدى العديد من المستثمرين، إلا أن البعض يراه محفزاً لإعادة توزيع رأس المال بطريقة استراتيجية، وفقاً لتقرير نشره موقع (AGBI).
وقال أوسكار فالغرين، الرئيس التنفيذي للاستثمار في «مبادلة كابيتال»، الذراع المتخصصة في الأصول البديلة التابعة لـ«مبادلة للاستثمار»، إن طبيعة التحديات الحالية تختلف عن فترات الركود الاقتصادي التقليدية، موضحاً: «نحن نعرف كيف تبدو حالة الركود الاقتصادي، أما هنا فالوضع مختلف قليلاً». وأضاف: «القواعد المنظمة غير واضحة بالكامل وتتغير باستمرار، وهذا النوع من الضبابية يُعد من أكثر ما يزعج المستثمرين».
وحذّر فالغرين من أن هذا الغموض قد يدفع بعض المستثمرين إلى العزوف عن ضخ رؤوس أموالهم في السوق الأميركية، مما قد يعيد توجيه التدفقات الاستثمارية نحو الأسواق الناشئة. وقال: «مع تزايد حالة التقلب وعدم الاستقرار في الولايات المتحدة، باتت الأسواق الناشئة تبدو أكثر جاذبية للمستثمرين».
وتُدير الصناديق السيادية الخليجية تريليونات الدولارات من الأصول في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، مما يمنحها تأثيراً كبيراً في توجيه رؤوس الأموال الدولية، وقدرتها على تغيير مسارات مشاريع كبرى وتحفيز النمو في مناطق استراتيجية.
من جهته، أوضح ماجد مفتي، الرئيس التنفيذي لـ«صندوق نيوم للاستثمار»، الذراع الاستثماري الاستراتيجي لمشروع «نيوم» البالغ قيمته 500 مليار دولار، أن اقتصادات الخليج قد تستفيد من إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي.
وقال مفتي خلال المؤتمر: «تشهد منطقة الخليج تدفقات رأسمالية عالمية متزايدة. نحن نرى شركات أوروبية تتوجه إلى الخليج بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة هناك، والتشريعات المتعلقة بسوق العمل. كما نلاحظ اهتماماً متزايداً من الشركات الآسيوية التي تبحث عن امتداد لأعمالها».
وعلى الرغم من تقلب الأسواق، يرى شيف سرينيفاسان، رئيس قسم الاستثمار في «مجلس أبوظبي للاستثمار»، أن هناك فرصاً قائمة حتى في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة.
وأشار إلى استحواذ «مجلس أبوظبي للاستثمار» في عام 2008 على حصة قدرها 90% في مبنى «كرايسلر» الشهير في نيويورك، باعتباره مثالاً على كيفية استغلال الفرص في فترات الاضطراب، مضيفاً: «تظهر فرص استثمارية في مناطق محددة عندما يشهد تدفق رأس المال تحولات كبيرة».
وفي السياق ذاته، اعتبرت سارة نور الدين، نائبة الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة «أصول»، الذراع الاستثمارية لـ«الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي» و«صندوق التقاعد العسكري» في البحرين، أن حالة عدم اليقين قد تفتح المجال لفرص استثمارية نوعية. وقالت: «نعتقد أن هناك العديد من الفرص المتخصصة التي ستبرز نتيجة هذا الوضع غير المستقر».
تأتي هذه التحركات الاستراتيجية في وقت يستعد فيه ترامب لزيارة كل من السعودية والإمارات وقطر الأسبوع المقبل. وكانت الدول الثلاث قد تعهدت باستثمار وتبادل تجاري لا يقل عن 2 تريليون دولار مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع إلى العشر المقبلة، ويسعى ترامب خلال الزيارة إلى تأمين التزامات إضافية تصل إلى 400 مليار دولار.
مع ذلك، لا يزال بعض قادة المنطقة يتعاملون بحذر مع بيئة الاستثمار الراهنة، إذ حذّر نايف الحجرف، وزير المالية الكويتي السابق، من أن غياب الوضوح بشأن توجهات السياسة الأميركية في ظل عودة ترامب يشكل تحدياً جوهرياً، مشيراً إلى أن الكويت، التي تدير أصولاً تفوق تريليون دولار عبر «الهيئة العامة للاستثمار»، تحتاج إلى رؤية أوضح قبل اتخاذ قرارات استراتيجية.
وقال الحجرف: «لا يمكنك وضع استراتيجية أعمال إذا كان الغموض يحيط بكل شيء». وأضاف: «قد تكون هناك فرص، لكن من الصعب تقييم إمكاناتها دون وضوح أكبر حول نوايا إدارة ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة».