أثارت خطة «مطار هيثرو» لزيادة رسوم الركاب المقترحة قلقاً في أوساط المحللين والمعنيين بقطاع الطيران، الذين حذروا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار التذاكر على خطوط الخليج وتشكل ضغطاً على علاقات المطار مع أبرز عملائه من شركات الطيران وصناديق الثروة السيادية المالكة لحصص فيه.
قدّم «مطار هيثرو» في لندن هذا الأسبوع طلباً إلى «هيئة الطيران المدني» البريطانية للحصول على الموافقة على رفع متوسط الرسوم لكل راكب بنسبة 17%، من 28.46 جنيه إسترليني إلى 33.26 جنيه، خلال الفترة من عام 2027 وحتى 2031.
وفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، تأتي الزيادة ضمن خطة توسعة كبرى تصل كلفتها إلى 10 مليارات جنيه إسترليني تهدف إلى رفع القدرة الاستيعابية السنوية للمطار بمقدار 10 ملايين مسافر.
ومن المتوقع أن تنقل شركات الطيران هذا العبء الإضافي إلى المسافرين مباشرة.
وستكون شركات الطيران الخليجية، مثل «طيران الإمارات» و«الخطوط الجوية القطرية» و«الاتحاد للطيران»، من بين الأكثر تأثراً بهذا القرار، نظراً لتسييرها رحلات يومية عدة على متن طائرات عريضة البدن إلى مطار «هيثرو».
وقال المدير التنفيذي لشركة «باور أفييشن أدفايزوري» (Bauer Aviation Advisory) لاستشارات الطيران، لينوس باور، في تصريح لـ (AGBI)، إن «الزيادة المقترحة كبيرة، لا سيما في بيئة شديدة الحساسية تجاه التكاليف وهوامش الربح بالنسبة لشركات الطيران التي تُسيّر رحلات طويلة المدى».
وقدّر باور أن الزيادة قد تضيف ما بين 20 ألفاً و30 ألف جنيه إسترليني إلى تكلفة كل رحلة بطائرة (A380)، ما قد ينعكس على أسعار التذاكر برفعها بنحو 20 إلى 40 جنيهاً إسترلينياً في الدرجة الاقتصادية، و60 إلى 100 جنيه إسترليني في درجة رجال الأعمال على الرحلات بين الخليج وبريطانيا.
وأكد الشريك في شركة «ميداس أفييشن» (MIDAS Aviation) وكاتب العمود في (AGBI)، جون غرانت، أن «الركاب هم من يتحملون هذه التكاليف في نهاية المطاف»، موضحاً أن «شركات الطيران تمرر رسوم المطار إلى المسافرين ولا يمكنها تحمل أي زيادة بنفسها».
وتُعد رسوم «مطار هيثرو» حالياً من بين الأعلى عالمياً، إذ تصل إلى ضعف تلك المفروضة في مطارات أخرى مثل «غاتويك» (Gatwick)، بحسب حملة «إعادة تصور هيثرو» (Heathrow Reimagined) التي استندت إلى «مؤشر جاكوبس لرسوم المطارات» (Jacobs Airport Charges Index).
ورغم هذه التكاليف المرتفعة، يرى غرانت أن شركات الطيران لن تقلّص طاقتها التشغيلية في هيثرو، مضيفاً: «السوق هناك مهمة للغاية ولا يمكن الاستغناء عنها».
وقد استقبل المطار، الذي يُعد الأكثر ازدحاماً في أوروبا، 84 مليون مسافر في عام 2024، ويُعد أيضاً الوجهة الدولية الأولى لـ«طيران الإمارات»، ما يجعله من أبرز العملاء.
لكن محللين حذروا من أن الزيادة في الرسوم قد تعمّق التوتر بين المستثمرين الخليجيين السياديين في البنية التحتية للمطار وأكبر عملائه من شركات الطيران.
ويمتلك «جهاز قطر للاستثمار» حصة 20% في شركة «أف جي بي توبكو» (FGP TopCo)، الشركة الأم لـ«مطار هيثرو»، بينما استحوذ «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي مؤخراً على حصة 15%.
وقال باور إن ذلك «ينشئ مشهداً محرجاً من نقل القيمة داخل البيت الواحد، حيث تتحقق الأرباح على مستوى البنية التحتية مع تقليص الهوامش على مستوى شركات الطيران»، مضيفاً أن غياب العائدات الملموسة قد يوقع المستثمرين الخليجيين في ما وصفه بـ«فخ العوائد».
وكان رئيس «طيران الإمارات»، تيم كلارك، قد حذّر في وقت سابق من تحميل شركات الطيران كلفة توسعة مطار «هيثرو»، وقال لصحيفة «فايننشال تايمز» في فبراير الماضي: «قد يؤدي ذلك إلى نزاعات قانونية إذا لم يتم التعامل معه بحذر».
ومع ذلك، يرى غرانت أن مثل هذه التوترات لن تثني المستثمرين عن المضي قدماً. وقال: «هيثرو آلة نقدية تحقق إيرادات وأرباحاً كبيرة. إنها صفقة جيدة».
وأيّد هذا الرأي المدير العام لشركة «أفييشن أدفوكاسي» (Aviation Advocacy)، أندرو تشارلتون، رافضاً فكرة التعارض بين مصالح شركات الطيران والبنية التحتية، وقال: «كل طرف هو كيان تجاري مستقل، ومن حقه اتخاذ قراراته التجارية». وأضاف أن «الطلب هو المحرك الأكبر لأسعار التذاكر».
بحسب غرانت، قد تسعى شركات الطيران الخليجية إلى التأثير في القرار من خلال قنوات ضغط أوسع مثل «الاتحاد الدولي للنقل الجوي» (IATA) و«مجلس ممثلي شركات الطيران في المملكة المتحدة» (UK’s Board of Airline Representatives).
وقد أثارت الخطة بالفعل انتقادات، حيث نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC) عن «مجموعة الخطوط الجوية الدولية» (IAG)، المالكة لـ«الخطوط الجوية البريطانية» (British Airways) والتي تمتلك «الخطوط الجوية القطرية» 26% من أسهمها، رفضها للزيادة المقترحة. كما أعربت شركة «فيرجن أتلانتيك» (Virgin Atlantic) عن معارضتها.
حذر باور من أن المضي في تنفيذ الخطة من دون توافق مع شركات الطيران يحمل مخاطرة على السمعة، قائلاً: «في حال مضى «مطار هيثرو» في تنفيذ خطته دون موافقة شركات الطيران، فإن الأثر على سمعته لن يكون بسيطاً، خصوصاً مع تحول رؤوس الأموال السيادية نحو الجنوب العالمي ومراكز الطيران الناشئة».
وأضاف: «شركات الطيران الخليجية ليست مجرد مشغّلين لخطوط جوية، بل هم شركاء أساسيون في تشكيل المكانة العالمية لـ«مطار هيثرو». وقد يسهم نهج تعاوني يشمل خصومات على أساس الحجم أو حوافز للاستدامة في تخفيف أثر الانتقال».