يعاني لبنان من أزمات اقتصادية، هي الأسوأ في ظل صراعات دولية، وأحداث مالية عالمية، زادت من معاناة الشعب اللبناني بشكل كبير، ليكون التضخم القياسي في البلاد، والانهيار المتسارع للعملة، والارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة، والتخوف من إعلان المصارف إفلاسها، عناوين رئيسة تلخّصُّ الحالة الاقتصادية في لبنان.
وفيما يحاول لبنان جاهداً الخروج من أزمته الاقتصادية، التي تتأزم يوماً بعد يوم، يتساءل البعض عن السبب وراء عدم لجوء الحكومة إلى احتياطي الذهب، خصوصاً وأن لبنان يمتلك ثاني أكبرَ احتياطيٍّ عربي بعد السعودية، ويحتل المرتبة العشرين عالمياً بـ 286 طناً من المعدن الأصفر، أي نحو 10 ملايين أونصة تناهز قيمتها حوالي 19.5 مليار دولار؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعلم بداية بأن هناك هوة بين هذا الحل البعيد عن الواقع، وما هو اقتصادي في حقيقة الأمر، إذ تعودُ قصّةُ امتلاك لبنان لهذا الاحتياطي الكبير من الذهب إلى عام 1948، عندها ارتبط شراء الذهب بتثبيت سعر صرف الدولار وحفظ قيمته، فحرصت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، حتى أوائل السبعينيات، على شراء الذهب، لتغذية احتياطيّ مصرف لبنان المركزي، واستمر ذلك حتى القرار الأميركي المعروف بـ صدمة نيكسون، والذي فرض الدولار بديلاً احتياطياً عن الذهب، لحفظ قيمة كل العملات الأخرى.
أما الإجابة عن سؤال: لماذا لا يلجأ لبنان إلى بيعِ مخزونِهِ الاحتياطيِّ من الذهب، في محاولة للسيطرة على أزماتِهِ الاقتصادية؟ فإجابته حسبَ الخبراء الاقتصاديين، هي أن للذهب اللبناني رمزيتَه العالمية، ونقطةَ القوة الوحيدة التي يملكها لبنان في أزمته، وأيُّ عملية لرهنه أو بيعه تعني انهياراً شاملاً، لكون الذهب بالنسبة للبنان داعما للعملة والثقة والوفاء بالالتزامات أمام العالم.
وأكد المحلل المالي ستيفين بوب أنه يتوجب على الدول، مثلها مثل البنوك، أن يتوافر لديها احتياطيات من العملات أو الذهب، لكي تحظى بالحد الأدنى من المصداقية لدى المجتمع الدولي ولدى الدائنين، ورأى أنه في حال باع لبنان الذهب، سيفقد ما تبقى له من القليل من المصداقية، وربما لن تتعامل معه أي جهة مالية.
وبحسب تصريحات سابقة لنائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، فقد بلغ الدين العام في لبنان 360% من الناتج المحلّي الإجمالي، حتى نهاية السنة المالية 2021، مؤكداً أن الخسائر المالية لدى لبنان هي بواقع 72 مليار دولار، موزعة على مصرف لبنان بمقدار 63 مليارا، بينما خسائر المصارف التجارية تبلغ 9 مليارات دولار.
وحذر من أن «البلد ينهار ويتحلّل أمام أعيننا»، مؤكداً أن تأخير الإصلاحات المطلوبة سيزيد الحلول صعوبةً وإيلاماً في البلاد.
وقال الشامي: «ردّدت مراراً أنه إذا استمرّت المراوغة، وهدر الوقت الثمين، فنحن ذاهبون إلى أوضاع أكثر مأساوية وظروف لا تحمد عقباها».
وأضاف: «شارفنا على الذكرى السنوية الأولى لاتفاقنا مع الصندوق، على خطة إصلاح مالي واقتصادي متكاملة، ولكن لم ينفّذ إلا الجزء اليسير من الإجراءات المطلوبة لإبرام الاتفاق النهائي».