كلنا نتحدث إلى سياراتنا أحياناً، نربّت على المقود، نشكرها عند نهاية رحلة طويلة، وربما نعتذر منها عندما نضغط على دواسة الوقود أكثر مما ينبغي. الأمر يبدو سخيفاً؟ ليس تماماً.
السيارة ليست مجرد وسيلة نقل، بالنسبة للكثيرين، هي رفيق دائم، تحفظ الذكريات، وتعيش معنا محطات الحياة، من أول موعد وحتى لحظات الوحدة على الطرق الطويلة. فهل يمكن اعتبارها «أفضل صديق»؟ دعونا نكتشف.
من أول سيارة نقودها بشغف المراهقة، إلى السيارة العائلية التي تنقلنا يومياً مع الأطفال، أو تلك الرياضية التي نكافئ بها أنفسنا لاحقاً في الحياة.. تلازمنا السيارة في مراحل عمرنا المختلفة.
هي موجودة في خلفية الصور القديمة، في ذكريات الرحلات، في الأغاني التي كنا نستمع إليها مع النوافذ المفتوحة. وجودها متواصل.. تماماً كصديق.
علم النفس لا يغفل هذا النوع من العلاقات؛ إذ تُظهر «نظرية الذات الممتدة» (Extended Self Theory) أن الأفراد يرون في ممتلكاتهم – خصوصاً السيارة – امتداداً لهوياتهم.
نختار سياراتنا بناءً على شخصياتنا، ونشعر بالارتباط بها كما لو كانت انعكاساً لما نحن عليه. وهذا يفسر لماذا يشعر البعض بالحزن الحقيقي عند بيع سيارته، أو حتى تسميتها باسم.
في كثير من الجوانب، تبدو علاقتنا بالسيارة أقرب إلى صداقة حقيقية. فهي تستمع لنا بصمت، ترافقنا حيثما نريد، ولا تتطلب منا سوى قليل من الرعاية.
هي ليست إنساناً، لكنها تؤدي دوراً قريباً جداً من الإنسان.
نعم، العلاقة مع السيارة ليست صداقة مجانية، من الوقود إلى التأمين، الصيانة، الإطارات، وحتى غسيلها.. هناك فاتورة طويلة.
بحسب دراسات أميركية، يبلغ متوسط تكلفة امتلاك سيارة جديدة أكثر من 10,000 دولار سنوياً. لكن المثير أن كثيرين يبررون هذا الرقم بعبارات مثل: «هي تخدمني، وأنا مرتاح معها».
في عالم المال، يُعرف هذا بـ«العائد العاطفي». مثل أي صداقة، تدفع مقابل الشعور بالراحة والانتماء.
لكن، تماماً كما في الصداقات، هناك جانب مظلم:
السيارة لا تُعانقك عند الحزن، ولا تضحك على نكاتك، لكنها كانت هناك حين لم يكن غيرها، ربما لن تكون يوماً صديقاً بالمعنى الكامل، لكنها تظل، بلا شك، أقرب الأشياء الجامدة إلى قلب الإنسان.
وإن كانت صديقة.. فاحرص فقط ألا تنسى تغيير زيت صديقتك القديمة من وقت لآخر.