يشهد وادي السيليكون تحولاً في طريقة إبرام الصفقات، إذ يتمثل التغيير الأبرز في ظهور نوع جديد من الصفقات الخاصة بشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، يهدّد النموذج التقليدي للاستحواذ والطرح العام الأولي.
وفي الآونة الأخيرة، أثارت الصفقات البارزة قلقاً في الأوساط الصناعية، إذ بدا أن المستفيدين الرئيسيين هم المؤسسون فقط، بينما يواجه المشاركون الآخرون حالة من عدم اليقين، وفقاً لتقرير نشره موقع "بزنس إنسايدر".
وأوضح التقرير أن شركة "غوغل" أحدثت زلزالاً في وادي السيليكون الأسبوع الماضي عندما وافقت على دفع 2.5 مليار دولار لترخيص تقنية "كاركتر إيه آي"، ووظّفت مؤسسيها البارزين، نوام شازير ودانيال دي فريتا، مع الاحتفاظ بنسبة 20% فقط من موظفي الشركة.
يأتي هذا التحرك بعد صفقات استراتيجية مماثلة قامت بها شركات الذكاء الاصطناعي "أديبت" و"إنفليكشين"، والتي ارتبطت بكل من "أمازون" و"مايكروسوفت".
وقال بريت كوينر، الشريك الإداري في "بونفاير فينتشرز": "رؤية هذه الاستحواذات على شركات جمعت الكثير من المال بسرعة كبيرة تعتبر صادمة بعض الشيء". وأضاف كايل سانفورد، محلل رأس المال الاستثماري في "بيتش بوك"، واصفاً هذه الصفقات بأنها "غير طبيعية".
شركة "كاركتر إيه آي"، التي حصلت على 150 مليون دولار من التمويل الاستثماري العام الماضي، وتم تقييمها بـ850 مليون دولار، نالت اهتماماً كبيراً بعد تسجيلها 3 ملايين تحميل الشهر الماضي، مما جعلها تحتل المرتبة الـ15 في تصنيف تطبيقات الترفيه في متجر أبل، وفقاً لبيانات "سنسور تاور".
ومع ذلك، كان نمو الشركة محدوداً، والإيرادات منخفضة، إذ اعتُبرت تقنية الدردشة الخاصة بالشركة، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء شخصيات افتراضية تتفاعل مع المستخدمين، محدودة التوجه.
وأشار إيريس صن، المستثمر في "500 غلوبال"، إلى أن إيرادات "كاركتر" التي بلغت حوالي 200 ألف دولار في يوليو، وتقديرات الإيرادات لهذا العام التي تبلغ حوالي 17 مليون دولار، غير كافية لاستدامة الشركة.
وذكرت المصادر أن اهتمام "غوغل" بـ"كاركتر" قد يتجاوز تقنيتها، إذ يبدو أن الهدف من الصفقة هو الاستحواذ على أبرز المواهب في الشركة للتنافس مع عمالقة التكنولوجيا مثل "مايكروسوفت"، و"أمازون"، اللتين تتفوقان في سباق المواهب في الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بيئة مكافحة الاحتكار الحالية تحت إدارة بايدن قد عقّدت عمليات الاستحواذ التقليدية، إذ واجهت "غوغل" مؤخراً حكم محكمة اتحادية بخرق قوانين مكافحة الاحتكار، بينما رفضت شركة "ويز" للأمن السيبراني عرض استحواذ بقيمة 23 مليار دولار من الشركة الأم لـ"غوغل"، جزئياً بسبب المخاوف التنظيمية.
وأوضح ستيف برومان، مؤسس وشريك إداري في "ألفا بارتنرز"، أن هذه الصفقات قد تتجنب التدقيق في مكافحة الاحتكار، وتسرع من استحواذ المواهب دون الحاجة إلى إجراءات الموافقة الطويلة.
تقليدياً، تجمع الشركات الناشئة رأس المال، حتى يتم الاستحواذ عليها أو طرحها للاكتتاب العام، وتكافئ المستثمرين والموظفين والمؤسسين بأجور ضخمة، وهو نموذج يفوز فيه الجميع، والطريقة التي تعمل بها وادي السيليكون عادةً.
لكن في الصفقات الأخيرة، يبدو أن المؤسسين فقط قد حصلوا على مكاسب كبيرة. ففي صفقة "كاركتر"، يبدو أن الفوائد انحصرت في المؤسسين فقط، إذ سيحقق شازير، الذي يمتلك حصة 40% من الشركة، أرباحاً تصل إلى مليار دولار، ثم ينسحب من الشركة، بينما يواجه باقي الموظفين مستقبلاً غير مؤكد.
كما يحقق المستثمرون عوائد تصل تقريباً إلى أكثر من الضعفين ونصف من مثل هذه الصفقات، وهو ما يعد مقبولاً، ولكنه لا يتماشى مع التوقعات العالية للاستثمارات في رأس المال الاستثماري.
وأضاف التقرير أن التحول في إبرام الصفقات يدفع شركات رأس المال الاستثماري إلى إعادة تقييم علاقاتها مع المؤسسين، ويرى البعض أن هياكل الصفقات قد تحتاج إلى التطور لتعكس الديناميات المتغيرة.
وعلى الرغم من ردود الفعل المتباينة، يتوقع خبراء مثل كاميرون ليستر، الرئيس المشارك العالمي للتكنولوجيا والإعلام والاتصالات المصرفية الاستثمارية في "جيفريز"، أن هذا النمط الجديد من إبرام الصفقات سيستمر. وقال: "أعتقد أننا سنرى الكثير من هذه الصفقات في السنوات القادمة، إذ تنظر الشركات والمستثمرون إلى هذه الأصول كوسيلة جيدة لتوظيف مواهب الذكاء الاصطناعي في بيئة يصعب فيها العثور على تلك المواهب".