logo
شركات

من دمشق إلى بيروت.. شركات ناشئة تخلق فرصاً في ظل الأزمات

من دمشق إلى بيروت.. شركات ناشئة تخلق فرصاً في ظل الأزمات
متاجر في أسواق بيروت، وسط المدينة، لبنان 29 أبريل 2019.المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:14 مايو 2025, 01:36 م

تُحدث الشركات الناشئة في دول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين تحوّلاً ملحوظاً في الاقتصادات المحلية، من خلال تقديم حلول عملية مدفوعة بالتكنولوجيا لمشكلات متجذرة، في وقت لا يزال فيه الفقر وانعدام الأمن الغذائي والاضطرابات السياسية تؤرق هذه الدول.

حتى عام 2024، بقي الفقر ظاهرة واسعة النطاق في المنطقة، إذ تشير البيانات الأخيرة إلى أن 69% من السوريين و74% من الفلسطينيين و44% من اللبنانيين و24.1% من الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر.

أخبار ذات صلة

47 مليار دولار فجوة الغذاء العربي.. والحل في الاستثمار الزراعي

47 مليار دولار فجوة الغذاء العربي.. والحل في الاستثمار الزراعي

وتُعد أزمة الأمن الغذائي حادة بشكل خاص، حيث يعاني منها 13 مليون شخص من أصل 25 مليون سوري، فيما يواجه 91% من الفلسطينيين خطر الجوع. أما لبنان، يعاني سوء تغذية واسع النطاق نتيجة النقص المستمر في المواد الغذائية الأساسية.

وتفاقمت هذه الأوضاع بسبب ارتفاع المديونية والتضخم واستمرار النزاعات وارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين النساء. ففي الأردن، بلغت نسبة البطالة بين الإناث 33%، أي أعلى بـ11 نقطة مئوية من المعدل العام.

وبحسب تقرير نشرته منظمة «ذا بورغن بروجيكت» (The Borgen Project)، وهي منظمة أميركية غير ربحية تُعنى بمناصرة السياسات التي تهدف إلى الحد من الفقر، جعلت هذه التحديات الهيكلية من الصعب على العديد من بلدان المشرق التعافي بعد الصراعات. ومع ذلك، بدأت الشركات الناشئة تملأ هذا الفراغ، مقدّمة مسارات جديدة للمشاركة الاقتصادية وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل.

سد فجوات حيوية

برزت الشركات الناشئة كمحرك حيوي لسد الفجوات الخدمية والاقتصادية التي عجزت الأنظمة التقليدية عن معالجتها. فمن التعليم إلى المالية والتكنولوجيا اللوجستية، بدأت مبادرات ريادية محلية في تقديم حلول مبتكرة وفعّالة لمشكلات مزمنة، مستفيدة من أدوات رقمية وأساليب تشغيل مرنة تلبي احتياجات المجتمعات في بيئات صعبة ومعقدة.

من أبرز هذه المبادرات «كم كلمة» (Kamkalima)، وهي منصة تعليمية أُسست في لبنان عام 2016. توفر الشركة منصة رقمية مخصصة لدعم تدريس اللغة العربية من الصف الرابع إلى الثاني عشر، وتضم أدوات تفاعلية للطلاب وميزات تحليل بيانات للمعلمين، بهدف تحسين نتائج الطلاب في اللغة العربية التي كانت متدنية بشكل مزمن. تسد المنصة فجوة في الموارد التعليمية الرقمية باللغة العربية، وتساعد المعلمين في تطوير دروسهم ومتابعة تقدم طلابهم لحظياً.

وفي القطاع المالي، طوّر فريق من المتخصصين الأردنيين في التكنولوجيا المالية منصة «إنفويس كيو» (InvoiceQ)، وهي منصة رقمية لإصدار الفواتير تقدم خدماتها في الأردن والسعودية وعُمان.

تعتمد المنصة على نموذج البرمجيات كخدمة (SaaS)، وتوفر إمكانيات إصدار فواتير تلقائية وآنية، مع مسارات للموافقة ودمج بين العملاء والموردين وواجهات برمجة التطبيقات (APIs). وتسهم هذه الميزات في تقليل الأخطاء البشرية وتحسين الالتزام بالأنظمة، مما يجعل الفوترة أداة استراتيجية في الإدارة المالية، في منطقة لا تزال فيها العمليات الورقية التقليدية سائدة ومعرضة للأخطاء.

أما في سوريا، حيث تكاد البنية التحتية الرقمية تكون معدومة بسبب الحرب والعقوبات، فقد ظهرت «بي أوردر» (Bee Order) كأول تطبيق لتوصيل الطعام في البلاد. تأسس التطبيق لمواجهة تحديات عديدة، من غياب خدمات التوصيل إلى ضعف الإلمام بالطلب الإلكتروني، إضافة إلى المخاطر الكبيرة المرتبطة بإطلاق شركة تكنولوجيا في بيئة غير مستقرة.

واليوم، يشغّل التطبيق أسطولاً محلياً يضم 150 مركبة توصيل، كما توسّع ليشمل خدمات النقل عبر تطبيق «وصلني» (Wasilni)، استجابة للحاجة المتزايدة إلى وسائل تنقّل بديلة في ظل انهيار البنية التحتية العامة.

أخبار ذات صلة

الأسواق الناشئة في آسيا تبحث عن مصلحتها وسط نيران الحرب التجارية

الأسواق الناشئة في آسيا تبحث عن مصلحتها وسط نيران الحرب التجارية

توسيع منظومة الابتكار

تبني شركات أخرى على هذا الحراك الإيجابي. من بينها «تاجر ستور» (Tajir.Store)، وهي منصة سورية للتجارة الإلكترونية تساعد الشركات الصغيرة على رقمنة عملياتها وإدارة متاجرها عبر الإنترنت. وهناك أيضاً تطبيق «روشيتا» (Rocheta) الصحي، الذي يربط المرضى بالصيدليات، ويتيح توصيل الأدوية إلى المنازل، ما يوفر خدمة ضرورية في المناطق التي تفتقر إلى رعاية صحية كافية.

ولا تُعد هذه الشركات قصص نجاح فردية فحسب، بل تمثل نواة حيوية لمنظومة ابتكار محلية تُعيد رسم ملامح المستقبل الاقتصادي في المشرق. ومن خلال معالجة الاحتياجات العاجلة في مجالات التعليم والتمويل والخدمات اللوجستية والصحة، تُخفف هذه المشاريع من الاعتماد على الخدمات العامة المتعثرة، وتُحفّز الاقتصادات المحلية من القاعدة.

ورغم التحديات الكبرى، من نقص التمويل إلى ضعف البنية التحتية، تعكس هذه المبادرات تحوّلاً في التفكير. جيل جديد من الرياديين لا ينتظر إصلاحات مؤسسية أو مساعدات خارجية، بل يوظّف التكنولوجيا القابلة للتوسّع لصياغة حلول متكيفة، تمهّد الطريق نحو مشاركة اقتصادية أوسع واستقرار اجتماعي أطول أمداً.

ومع نمو هذه الشركات واستقطابها المزيد من الاستثمارات، تقدم نموذجاً لرؤية مشرقيّة أكثر اعتماداً على الذات وأكثر قدرة على التكيّف. وقد تمثل هذه التجربة خريطة طريق قابلة للتطبيق في مناطق أخرى تعاني أزمات مماثلة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC