خاص
خاص

أزمة سيمنز المالية.. عملاق الطاقة الألماني في ورطة

بشكل مفاجئ، خرجت تقارير صحفية عن طلب شركة سيمنز الألمانية دعما من الحكومة في مواجهة أزمة متصاعدة، وتهاوى سهم الشركة تلقائيا إلى ما دون الـ7 يوروهات.. فماذا يحدث في عملاق الطاقة الألماني؟

أكدت الشركة أن هناك "حاجة متزايدة إلى ضمانات للمشاريع طويلة الأجل". كما يدرس مجلس الإدارة "مختلف التدابير لتعزيز الميزانية العامة لشركة سيمنز إنرجي".

ويجري المجلس "مناقشات أولية مع مختلف الأطراف، بما في ذلك البنوك الشريكة لشركة سيمنز إنرجي والحكومة الفيدرالية الألمانية، لضمان الوصول إلى حجم متزايد من الضمانات التي ستمكن النمو القوي المتوقع".

ووفقا لمعلومات نشرتها مجلة دير "شبيغل" الألمانية، تتفاوض الإدارة المحيطة بالرئيس التنفيذي لشركة سيمنز إنرجي، كريستيان بروخ، مع الحكومة الألمانية للحصول على عدة مليارات يورو كضمانات حتى تتمكن من مواصلة تمويل المشاريع الجديدة.

وتواصلت "دير شبيغل" مع وزارة الاقتصاد الألمانية لكنها لم تعلق بصفة محددة على الأمر، وذكرت فقط أنها "تجري مناقشات وثيقة وموثوقة مع الشركة".

وإثر هذه الأخبار المتواترة، تراجع سعر سهم شركة "سيمنز إنرجي" الألمانية للطاقة مؤقتا، بنحو 30%، ليصل إلى أقل من 7 يورو، وهو ما يفاقم أزمات الشركة الرائدة ما لم تحصل على دعم حكومي.

عقبات قائمة

في الآونة الأخيرة، تسير الأعمال المتعلقة بشبكات الطاقة وتوربينات الغاز على وجه الخصوص، في شركة سيمنز، بشكل جيد للغاية، حيث يبلغ إجمالي الطلبات المسجلة أكثر من 100 مليار يورو.

لكن هناك عقبات في طريق الشركة. فعلى سبيل المثال، في المشاريع الكبيرة التي تستغرق سنوات، من الشائع أن يضطر مقدمو الخدمات مثل سيمنز إلى تقديم ضمانات بشأن الخدمات التي سيتم تقديمها، وعادة ما تكون هذه الضمانات مدعومة بخطوط ائتمان من البنوك.

والمبالغ المطلوبة لتقديم هذه الضمانات هائلة، إذ تحتاج شركة سيمنز إلى ضمانات تتراوح قيمتها بين 7-8 مليارات يورو سنويا. وتتردد البنوك حاليًا في تحمل المزيد من المخاطر مع شركة سيمنز، ويرجع ذلك إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدتها المجموعة منذ سنوات، في شركة طاقة الرياح التابعة لها، والمعروفة باسم "سيمنز غاميسا".

طاقة الرياح.. بداية الأزمات

في عام 2017، استحوذت مجموعة سيمنز على الشركة الإسبانية المختصة في مزارع الرياح "غاميسا".

ومنذ البداية، لم تنجح سيمنز في دمج غاميسا، إذ أصبحت الشركة الأم التي تتخذ من ميونيخ مقراً لها متورطة في صراعات مع إدارة الشركة الجديدة في مدريد، وكانت هناك عيوب في الجودة وتحذيرات جديدة دائمًا بشأن الأرباح.

تزامن ذلك مع مشاكل برزت في السنوات الأخيرة، وتؤثر على صناعة طاقة الرياح الأوروبية بأكملها، إذ ارتفعت تكاليف الطاقة والمواد الخام بقدر كبير.

ولأن التكاليف الإضافية لا يمكن تمريرها إلى العملاء، وفق "دير شبيغل"، يتم الاتفاق عادة على الأسعار الثابتة مع مشغلي مزارع الرياح عند الطلب، وبالتالي فإن التسليم لم يكن ممكناً إلا بخسارة.

وبالإضافة إلى ذلك، انخرطت شركة سيمنز للطاقة ومنافسون مثل فيستاس، وجنرال إلكتريك، ونوردكس في منافسة مدمرة في السنوات الأخيرة، وجلبوا توربينات رياح أكبر حجماً إلى السوق في تتابع سريع. يضاف إلى ذلك المنافسة المتزايدة من الموردين الصينيين الذين يدخلون السوق العالمية بأسعار أقل بكثير.

وفي أغسطس الماضي، اعترفت سيمنز بأنها تتوقع تكاليف تصل إلى 1.6 مليار يورو للإصلاحات واستبدال التوربينات المعيبة بسبب عيوب الجودة في توربينات الرياح الضخمة X4 وX5. ومن المتوقع تحقيق الشركة خسائر إجمالية تبلغ حوالي 4.5 مليارات يورو للعام المالي الحالي، منها 4.3 مليارات يورو خسائر شركة غاميسا.

ليس ذلك فحسب، بل يتردد في دوائر الشركة، وفق المجلة الألمانية، أن الخسائر يمكن أن تكون أعلى مما كان متوقعا في السابق، مما يعني أنه لن يكون هناك أموال كافية على المدى الطويل لسد الثغرات التي تظهر في غاميسا، وفي نفس الوقت تمويل نمو مشاريع "سيمنز" القوي.

إلى ذلك، قالت كلوديا كيمفيرت، خبيرة الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين لصحيفة "غارديان" البريطانية، إنه "على الرغم من أن مشاكل طاقة الرياح التي تواجهها شركة سيمنز كانت مأساوية، إلا أن الشركة كانت في حالة جيدة بصفة عامة".

وأضافت كيمفيرت: "طاقة الرياح آخذة في الارتفاع على مستوى العالم. المشاكل في شركة سيمنز جاميسا داخلية.. يجب على المجموعة السيطرة على مشاكل الجودة". وتابعت: "حقيقة أن هذا (السيطرة على مشاكل الجودة) لم يتم القيام به بدرجة كافية حتى الآن أمر غريب ويجب تغييره".

وعلى منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، كتب الخبير الاقتصادي الألماني، فولكر كفاشنينج: "سيمنز للطاقة تواجه صعوبات مالية. إذا أردنا إنقاذ صناعة طاقة الرياح الألمانية، فسيكون ذلك مكلفًا. وإلا فإن الصين سوف تتولى زمام الأمور، كما فعلت ذات يوم مع الخلايا الكهروضوئية".

 الدعم الحكومي هو الحل

ووفقا لـ"دير شبيغل"، فإن برلين مستعدة لمساعدة شركة سيمنز بضمانات، بحيث تكون البنوك مستعدة أيضًا لتقديم المزيد من خطوط الائتمان.

وتجري المفاوضات حاليًا حول حزمة ستشارك فيها البنوك الرئيسة، مثل بنك أميركا وبنك ألمانيا وكومرتس بنك، جنبًا إلى جنب مع الحكومة الألمانية. ولم يتم تحديد المبلغ بعد.

وأمس الجمعة، قال المستشار الألماني، أولاف شولتز إن الحكومة الألمانية تجري محادثات مثمرة مع شركة "سيمنز إنرجي" بشأن ضمانات قروض تصل إلى 16 مليار يورو، بحسب وكالة بلومبرغ.

وأضاف شولتز، خلال مؤتمر صحفي في بروكسل أن "شركة سيمنز للطاقة هي شركة مهمة للغاية، يمكنني أن أقول إننا نجري مناقشات جيدة وسرية للغاية".

وإذا أكملت شركة سيمنز بنجاح المشاريع الممولة بهذه الطريقة، فلن تثقل المساعدة الحكومية المنتظرة كاهل دافعي الضرائب الألمان، إذ يتعين على الشركة دفع ما يسمى بعمولات الضمان للدولة مقابل الضمانات، وفق دير شبيغل.

 أهمية طاقة الرياح لألمانيا

تقول وكالة بلومبرغ إن تحول الطاقة في ألمانيا يسير أسرع بعد أن أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى قطع إمدادات الغاز الروسية، وإرغام البلاد على إعادة تحديد استراتيجية الطاقة في الأمدين القريب والبعيد.

وتريد ألمانيا الاعتماد بقدر كبير على مصادر الطاقة المتجددة. وسيتعين على طاقة الرياح، أن تتضاعف تقريبا للوصول إلى هدف الحكومة المتمثل في إنتاج طاقة نظيفة بنسبة 80% بحلول عام 2030، ما يتطلب مزيدا من الاستثمارات في محطات طاقة الرياح وتكثيف إنشاء المحطات الجديدة.

أهمية سيمنز

وفي هذا الإطار، قال الباحث المتخصص في شؤون الطاقة، أرتورو ريغلدو، لـ"إرم الاقتصادية"، إن ألمانيا تحتاج سيمنز، لذلك تتعامل بجدية مع طلب الضمانات الذي قدمته الشركة.

وأضاف أن "سيمنز أحد أهم الأصول الألمانية، ورقم مهم في استراتيجية التحول في الطاقة في ألمانيا على المديين القصير والبعيد"، لذلك أتوقع أن يتوصل الطرفان لاتفاق يساهم في حل مشاكل الشركة، ولا يؤثر كثيرا ومستمر على دافعي الضرائب.

ومضى قائلا: "هذا هو التوازن الذي أتوقع التوصل إليه، بحيث لا تتطور أزمة سيمنز إنرجي الحالية، إلى أزمة في الاقتصاد الألماني الذي يعاني بالفعل ركودا ولا يحقق نسب نمو معقولة".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com