يشهد سوق العملات الرقمية، الذي يقترب من 4 تريليونات دولار، موجة قوية من التفاؤل مدفوعة بتحركات سياسية متسارعة في واشنطن، أبرزها تمرير قانون تاريخي لتنظيم العملات المستقرة. هذه التطورات عززت شرعية القطاع ورفعت أسعار الأصول الرقمية، ما أعاد إشعال شهية المخاطرة بين المستثمرين.
وفي حين أن مؤشرات عودة المستثمرين الأفراد بدأت بالظهور، مثل ارتفاع عمليات البحث عن بيتكوين على «غوغل»، وصعود تطبيق «كوينبيس» إلى المركز الخامس في تصنيف المالية» على متجر أبل، فإن من يقود هذه الموجة فعلياً هم المؤسسات الكبرى وحاملو البيتكوين بكميات ضخمة.
بحسب بيانات «10x Research»، فقد اشترى كبار الحائزين — الذين يمتلكون أكثر من 10,000 بيتكوين — حوالي 47,000 بيتكوين قبل أن يصل السعر إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 123,000 دولار في 14 يوليو. لكن بعد ذلك، بدأ هؤلاء ببيع بعض ممتلكاتهم، مما ساهم في تراجع السعر إلى نحو 118,600 دولار.
ويشير كريس راين، رئيس الاستراتيجيات النشطة السائلة في «غالاكسي ديجيتال» لـ«بلومبيرغ»، إلى أن الطرح الأولي الضخم لشركة إصدار العملات المستقرة «سيركل» في يونيو كان نقطة التحول.
لكن رغم هذا التفاؤل، لا تزال مؤشرات سوق التجزئة (Retail Metrics) متراجعة. فشركة «كوين بيس»، التي ستنشر نتائجها الفصلية في 31 يوليو، من المتوقع أن تسجل انخفاضاً في حجم التداول بنسبة 44% مقارنة بالربع السابق، و3% على أساس سنوي، بحسب شركة «أوبنهايمر». كما تراجعت تنزيلات تطبيق «Coinbase Wallet» بنسبة 51% في الربع الثاني، وهو اتجاه شوهد أيضاً في منصات كبرى أخرى.
الاهتمام المضاربي الذي كان موجهاً نحو العملات الرقمية بدأ ينتقل إلى مجالات أخرى، مثل الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والشركات ذات العلاقة بالعملات الرقمية مثل «ستراتيجي»، حيث لا تزال التقلبات وجاذبية الرواية الاستثمارية مرتفعة. بعض المستثمرين الأفراد خرجوا من السوق بالكامل، بسبب مخاوف اقتصادية عامة ورسوم «يوم التحرير» الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية.
الارتفاع الأخير في السوق يشير إلى تحول أعمق في من يقود حركة الأسعار. خزائن الشركات المدعومة بالبيتكوين ومديرو الأصول باتوا يمتصون التدفقات التي كانت تمر عبر المحافظ الفردية سابقاً. ومع أن المستثمرين الأفراد لم يختفوا تماماً، فإن تأثيرهم يُعاد توجيهه من خلال منتجات مالية منظمة، وليس عبر تداول مباشر.
يقول المؤيدون لمشاركة المؤسسات إن هذا التحول ضروري لإضفاء الاستقرار والسيولة وتقليل التقلبات، وهي عوامل أساسية لدمج الكريبتو في الأسواق المالية العالمية. في المقابل، يرى المنتقدون أن الإفراط في التنظيم قد يقوض المبادئ الأساسية التي انطلقت منها العملات الرقمية، مثل الانفتاح والمشاركة اللامركزية، وقد يعيق الابتكار.
صحيح أن صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) ليست حكراً على المؤسسات، إذ يستمر الأفراد في الاستثمار فيها من خلال وسطاء ومستشارين ماليين. فقد جذبت صناديق البيتكوين الفورية ما يقارب 19 مليار دولار منذ بداية العام، ما يعكس طلباً مشتركاً بين المؤسسات والمستثمرين الأفراد. لكن السيطرة والمشاركة لم تعدا متطابقتين — فمركز الثقل بدأ يتحوّل بوضوح نحو المؤسسات.
ختاماً، قد يعود الحضور الكثيف للمستثمرين الأفراد مستقبلاً، لكن في الوقت الراهن، نغمة السوق تحددها مكاتب المؤسسات المالية، وليس مجموعات تيليغرام أو منتديات التداول. ومع ذلك، كما قال كريس راين: «الشعور بالإلحاح موجود لدى الجميع».