تسعى سلطنة عُمان إلى استغلال الإمكانات الاقتصادية للربع الخالي داخل حدودها، خاصة في محافظة الظاهرة، التي تحوّلت من ممر قوافل قديم إلى محور لوجستي وصناعي جديد يدعم التجارة مع السعودية.
ومن أبرز الإنجازات في هذا السياق، الانتهاء في عام 2023 من إنشاء طريق سريع يمتد على مسافة 725 كيلومتراً، يربط مدينة عبري في الظاهرة بمدينة الكويفرية السعودية، ويخترق الطريق الجديد صحراء الربع الخالي مباشرة، ما يقلص وقت السفر بين البلدين بنحو 16 ساعة مقارنة بالطريق الرملي القديم، وفقاً لتقرير نشره موقع AGBI.
وتُعد هذه الشبكة الجديدة من البنية التحتية ركيزة رئيسة في خطة عُمان لتحويل المنطقة الصحراوية إلى مركز للخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية والتجارة. في عام 2024، أنشأت الحكومة «المنطقة الاقتصادية بمحافظة الظاهرة» بإشراف «الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة و المناطق الحرة» (OPAZ).
وتمتد المنطقة على مساحة 20 كيلومتراً، وستضم ميناءً برياً ووحدات تصنيع وبنية تحتية هندسية ولوجستية، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة. ومن المقرر بدء تنفيذ المرحلة الأولى من أعمال الإنشاء في أوائل عام 2026، باستثمارات إجمالية تُقدّر بنحو 122 مليون ريال عُماني، أي نحو 315.5 مليون دولار أميركي.
ويرى «مدير مشروع المنطقة الاقتصادية بمحافظة الظاهرة»، إبراهيم الزدجالي، أن المنطقة ستُسهم في تقليص زمن نقل البضائع بين عُمان والسعودية بفضل قربها من الحدود المشتركة بين البلدين.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه العلاقات التجارية بين عُمان والسعودية نمواً متسارعاً. ووفقاً لبيانات «المركز الوطني للإحصاء والمعلومات» في السلطنة، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 473 مليون ريال عماني، أي 1.2 مليار دولار، في الربع الأول من عام 2025، بزيادة 22% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويعتقد الزدجالي أن مشاريع البنية التحتية الجديدة لديها القدرة على مضاعفة حجم التجارة بين البلدين.
تشمل الصادرات العُمانية الرئيسة إلى السعودية المنتجات المعدنية والمعادن والمعدات الكهربائية، بينما تشمل واردات عُمان من المملكة مواد البناء والأدوية ومنتجات الألبان.
ومن المتوقع أن تُحدث هذه التطورات أثراً اقتصادياً كبيراً على التجار المحليين في محافظة الظاهرة الذين يعتمدون بشكل كبير على التجارة مع السعودية، أكبر اقتصاد في دول الخليج.
وقال سليمان الشحي، مالك «شبكة الشحي للنقل» ومقرها عبري: «نتطلع إلى اكتمال المشروع، فهو سيفتح أمامنا فرصاً تجارية جديدة. في الوقت الحالي نحن معزولون تماماً في هذه المنطقة الصحراوية، وستوفر المنطقة الحرة أعمالاً مستدامة لنا».
يمثل قطاع التعدين محوراً رئيساً في الرؤية الاقتصادية للمنطقة، إذ تضم محافظة الظاهرة «شركة مزون للتعدين»، وهي شركة مملوكة للدولة ومقرها في ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة. وقد بدأت أعمال الاستكشاف في عام 2023، وتضم خمسة مناجم للنحاس بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى 23 مليون طن من الخامات، ومن المتوقع بدء الإنتاج في الربع الثاني من عام 2026.
ويصف سعود الهاشمي، المدير العام لشركة «كابيتال إنفستمنتس» (Capital Investments) في مسقط، قطاع التعدين في الظاهرة بأنه «الكنز المخفي» في المنطقة، مضيفاً أن الجمع بين هذا القطاع الحيوي، والمنطقة الاقتصادية الجديدة، والطريق السريع، من شأنه أن يحوّل المحافظة من منطقة نائية إلى مركز اقتصادي نشط يعود نفعه المباشر على السكان.
تضم محافظة الظاهرة نحو 240 ألف نسمة، أي ما يعادل نحو 5% من سكان السلطنة. ويعتمد كثير من سكانها على الوظائف الحكومية، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة والإدارة، إلى جانب الزراعة وتربية الماشية.
وتأمل الحكومة أن تسهم الاستثمارات الجديدة في البنية التحتية والقطاعات الاستراتيجية في تحويل هذه المنطقة النائية إلى فاعل اقتصادي قادر على المنافسة، بما يدعم التكامل الإقليمي والتنمية الوطنية الشاملة.