يتابع المستثمرون حول العالم عن كثب تطورات المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وسط مخاوف من انخراط أميركي أوسع في الصراع بين إسرائيل وإيران، وتأثير ذلك على استقرار الأسواق العالمية، لا سيما في قطاع الطاقة.
وفي ظل ارتفاع حدة التوتر، باتت الأنظار تتجه إلى مدى احتمال انضمام واشنطن إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية، في خطوة قد تترك تداعيات اقتصادية عميقة على التضخم وأسواق المال.
تحذّر مؤسسات اقتصادية من أن التصعيد العسكري قد يشعل موجة تضخمية جديدة، تقوّض ثقة المستهلكين وتقلّص من فرص خفض أسعار الفائدة في الأجل القريب. ويتوقّع خبراء أن تتجه الأسواق نحو بيع أولي للأسهم، مقابل تدفقات محتملة نحو الدولار كملاذ آمن.
ورغم ارتفاع أسعار النفط الخام الأميركي بنحو 10% خلال الأسبوع الماضي، حافظ مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» على تماسكه، بعدما شهد تراجعاً محدوداً عند اندلاع الهجمات الإسرائيلية.
وقال كبير المحللين في «بي. رايلي ويلث» آرت هوجان، إن الأسواق لم تُسعّر حتى الآن خطر انقطاع إمدادات النفط الإيراني، مضيفاً: «إذا حدثت اضطرابات في إمدادات النفط العالمية، فإن الأسعار ستقفز بشكل غير محسوب».
في مذكرة تحليلية حديثة، طرحت «أوكسفورد إيكونوميكس» ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الصراع، تشمل خفض التصعيد، وتعليق صادرات النفط الإيراني، وإغلاق مضيق هرمز الحيوي.
ووفق السيناريو الأسوأ، قد ترتفع أسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل، ما يدفع التضخم الأميركي إلى مستويات تقارب 6% بنهاية العام.
وتوقّعت المؤسسة أن هذه الصدمة السعرية ستقوّض إنفاق المستهلكين وتغلق الباب أمام أي تخفيضات مرتقبة في الفائدة الأميركية.
تأثرت أسعار النفط بشدة بالمخاوف من اضطراب الإمدادات، إذ قفزت عقود خام برنت بنسبة 18% منذ 10 يونيو، لتسجّل نحو 79 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى لها منذ خمسة أشهر.
كما ارتفعت توقعات تقلبات النفط على المدى القصير، لتتجاوز تقلبات الأسهم والسندات؛ ما يعكس تصاعد المخاطر المرتبطة بقطاع الطاقة.
ومع ذلك، يرى محللون أن الأثر الكامل على الأسهم لم يتبلور بعد، وربما يظهر لاحقاً إذا استمر صعود أسعار النفط بشكل حاد.
وكتب محللو «سيتي غروب» في مذكرة: «رغم تجاهل الأسهم للتوتر الجيوسياسي، فإن أسعار النفط لم تتجاهله، والتأثير قادم عبر تسعير الطاقة».
رغم تصاعد المخاطر، لم تظهر أسواق الأسهم الأميركية مؤشرات هلع، لكن دخول الولايات المتحدة في المواجهة قد يغيّر قواعد اللعبة. إذ يحذر اقتصاديون من أن أي ارتفاع حاد في أسعار النفط سيُثقل كاهل الاقتصاد العالمي، المرهق أصلاً من آثار السياسات التجارية والتضخم.
لكن التاريخ يُظهر أن تراجعات الأسهم خلال الأزمات الجيوسياسية غالباً ما تكون مؤقتة، كما حدث خلال غزو العراق في 2003 أو الهجمات على منشآت النفط السعودية في 2019، حيث عادت المؤشرات للارتفاع خلال أسابيع من التراجع الأولي.
وبحسب بيانات «ويدبوش سيكوريتيز»، تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» في المتوسط 0.3% خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الأزمات، لكنه عاود الارتفاع بمتوسط 2.3% خلال الشهرين التاليين.
أما الدولار، فيبدو في وضع معقد. فقد تراجع هذا العام بفعل تآكل الثقة في التفوق الأميركي الاقتصادي، لكن تصعيد الصراع قد يعيد الطلب عليه كملاذ آمن، ولو مؤقتاً.
وقال محلل العملات في «ماكواري» تييري ويزمان، إن التأثير الأكبر سيكون على شروط التجارة في أوروبا واليابان والمملكة المتحدة، لا على الاقتصاد الأميركي، الذي يحتفظ بمكانته كمنتج رئيسي للطاقة».