صراف آلي لشراء الذهب.. مصر تدخل عصر رقمنة المعدن الأصفر

سلط إعلان مصر عن إطلاق أول ماكينة صراف آلي لشراء سبائك الذهب، الضوء على تلك التجربة الموجودة بالفعل في الولايات المتحدة وعدة بلدان أوروبية وكذلك في دبي، خاصة أنها تتزامن مع ازدياد الطلب المحلي والدولي على المعدن الأصفر، كمخزن آمن للقيمة عقب ارتفاع معدلات التضخم والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، محليا وعالميا.

وأكد مسؤول مصري تحدث لـ"إرم الاقتصادية"، أن تلك الماكينة التي تتواجد في "دبي وأميركا ودول أوروبية"، ستعمم مستقبلا عبر شركات ذات ثقة، في المتاجر والأسواق عقب انطلاقها الأول"، فيما توقع خبيران في أسواق الذهب وتكنولوجيا المعلومات تحدثا لـ"إرم الاقتصادية"، انتشار هذه التجربة عربيا، وفي مصر على وجه الخصوص، حال "تجاوز تحديات عملية وتقنية" ستظهر مع التنفيذ، لاسيما احتمالية الاختراقات وارتفاع أسعارها.

وفي 26 نوفمبر الجاري، شهد علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، إطلاق تلك الماكينة على هامش معرض للذهب أقيم شرقي العاصمة القاهرة، موضحا في تصريحات صحفية، أنها "خطوة تدعم سياسات التحول الرقمي والشمول المالي وستقدم تجربة أفضل للعملاء".

والماكينة تعود إلى شركة "ماستر جولد" المصرية (خاصة)، والتي قال عضوها المنتدب، مصطفى صابر، في تصريحات صحفية، إن "الخدمة ستكون متاحة في المرحلة الأولى بفرع الشركة بالقاهرة على أن يتم التوسع في باقي الفروع لاحقا في المولات التجارية الكبرى".

وأضاف أن "العميل يستطيع الشراء باستخدام كافة البطاقات الائتمانية، ومن خلال شاشة الماكينة، يتم تحديد وزن السبيكة وسعرها"، لافتا إلى أنه "تم الاتفاق مع بنك مصر لتوفير ماكينات pos (جهاز دفع إلكتروني) للتسهيل على العملاء".

اهتمام كبير

ناجي فرج، مستشار وزير التموين المصري لشؤون الذهب قال لـ"إرم الاقتصادية"، إن "كثيرين يقتنون السبائك الذهبية كمخزن قيمة في ظل الارتفاعات القوية مع تخطي الأوقية الـ2000 دولار، وانعكاس ذلك على ارتفاع الأسعار في السوق المحلية".

وأضاف: "نعلم أن الذهب مخزن قيمة فكل 100 طن من الذهب تعادل 6 مليارات دولار وتتجاوز بالأسعار الحالية 6.5 مليار دولار، ولذلك يقبل الأفراد والدول على زيادة الاحتياطي الاستراتيجي أو شراء سبائك الذهب".

وبشأن وجود تلك الماكينات حول العالم، قال فرج إنها "موجودة في دبي وأمريكا ودول أوروبية"، لكن فكرة اقتناء السبائك عبر الماكينات جديدة في مصر و"سيكون تأثيرها إيجابيا على صناعة الذهب وتيسر أكثر على محبي اقتناء الذهب".

وأوضح المسؤول المصري، أن "ماكينة ATM لشراء سبائك الذهب وسيلة لإتاحة السبائك في المتاجر العامة والأسواق، عن طريق كارت مثل كروت السحب العادية ويستطيع العميل شراء سبيكة حسب ما يحب من الجرامات". وأضاف "هناك ماكينة فعلية افتتحها وزير التموين وبإذن الله ستتعمم وتكون في كافة الأنحاء".

وأضاف: "ستكون خطوة بخطوة كأي مشروع جديد يبدأ وينتشر ويحقق انتشارا، والماكينة الحالية تتبع شركة خاصة، وهناك ماكينات تتبع شركات أخرى، وجميعها مصدر ثقة ولا توجد أي مشكلة".

تحديات

من جانبه، قال وصفي واصف، الخبير في أسواق الذهب، ومستشار شعبة الذهب في اتحاد الصناعات المصرية، لـ"إرم الاقتصادية" إن هذه الفكرة معمول بها في الخارج ولكن مصدر السبيكة هو البنك، فثقل البنوك غير ثقل الشركات والمحلات".

ولفت واصف إلى بعض التحديات التي قد تواجه التجربة، مشيرا إلى أن "اقتناء السبيكة يفترض أن يكون معه فاتورة شراء مختومة وليست ورقة مطبوعة من الماكينة وبعد قليل يمكن أن تختفي معالمها".

وأضاف: "السبيكة تخرج من الماكينة على مدار اليوم وسط أسعار للذهب متغيرة 30 إلى 40 مرة لأنها مرتبطة بسعر بورصات عالمية، وبالتالي نحن سنكون خلال التطبيق أمام تحديات عملية وتقنية".

وأوضح أن أسعار السبائك عبر هذه الماكينة قد تكون أعلى من المحلات، بسبب تكاليف الخدمة التي تشمل تكاليف عمل الماكينة، مؤكدا أن هذه الفكرة لا تضيف خدمات لقيمة السبيكة، لكن لو هناك رغبة حكومية في تطبيقها؛ فيجب أن تكون هناك دراسة وافية ومعالجة لتلك الثغرات".

وأشار الخبير في أسواق الذهب إلى أنه "في سويسرا وإنجلترا يدخل المشتري البنك ويعرف السعر ويضع الكارت وتخرج له السبيكة"، لافتا إلى إمكانية انتشار الفكرة عربيا ومصريا.

وحول إمكانية الإقبال على الفكرة في مصر، أوضح واصف أنه في ظل الأحوال الاقتصادية الحالية، فالإقبال أقل عما كان عليه من قبل، حيث شهد الذهب رواجا أكبر في الفترة السابقة مع اتجاه الكثيرين لتحويل المدخرات والودائع إلى سبائك ومشغولات ذهبية.

انتشار مشروط

الأكاديمي أحمد مختار، خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، قال لـ"إرم" الاقتصادية، إن "المعلومات الأولية المتوفرة تشير إلى أن فكرة ظهور ماكينة ATM لشراء سبائك الذهب تعود إلى عام 2009 وظهرت بعد ذلك بسنوات في المطارات ومحطات القطارات في ألمانيا وسويسرا وأمريكا وأيضا ظهرت ماكينة في الإمارات".

وأضاف مختار أنه "لم ير تلك الماكينة في فرنسا حيث يتواجد لكن ربما تجد هذه الماكينة رواجا في دول الخليج لاسيما الإمارات وقطر المشتهرين بانتشار كبير لتجارة الذهب".

وأشار مختار إلى أن "ظهور أول ماكينة صرف آلي لشراء سبائك ذهب في مصر، له أبعاد تريدها الحكومة، تتمثل أولا في معالجة التضخم وثانيا في خصم ضريبة المبيعات بصورة مباشرة دون أي تلاعب وثالثا متابعة حركة تداول الذهب بشكل أدق".

وأوضح أن "الإقبال على شراء على السبائك سواء بهذه الفكرة أو غيرها يساهم في تجميد الأوراق المالية النقدية التي تتسبب سيولتها الضخمة في التضخم، مستدركا: "لكن الفكرة تواجه تحديات".

وأشار إلى أنه "سيحد من رواج تلك الفكرة تحدي الاختراقات وغسيل الأموال وارتفاع سعر السبيكة مقارنة بالسوق"، موضحا أنه "في ألمانيا كانت تلك السبائك التي تباع عبر تلك الماكينة أغلى من السوق بنسبة 30% باعتبارها خدمة تقدم بمقابل وهذا سيحد من الإقبال".

وأوضح أن "فكرة ماكينة الصراف الآلي لسبائك الذهب قد تجد رواجا مصريا وعربيا ولكن بمعالجة أي مخاوف تقنية أو مرتبطة بالضرائب أو الموروث الثقافي والاجتماعي".

رواج وطلب عالمي

وكشف تقرير اتجاهات الذهب خلال الربع الثالث من 2023 الصادر عن مجلس الذهب العالمي، أن مشتريات المصريين من الذهب في أول 9 أشهر بلغت 24.9 طن ذهب بارتفاع 87.2% مقارنة مع الفترة ذاتها في 2022 والتي سجلت 13.3 طن.

وانخفضت مشتريات السبائك والعملات إلى 6.3 طن خلال الربع الثالث من 2023 مقابل 10.4 طن خلال الربع الثاني من العام ذاته، بنسبة انخفاض وصلت إلى 39.4%، بينما كان الانخفاض بنسبة 4% مقارنة بمشتريات الربع الثالث من عام 2022، وهو ما يرجعه المجلس إلى استمرار ضعف القيمة الشرائية للعملة.

وأظهر تقرير مجلس الذهب العالمي لشهر سبتمبر الجاري، أن احتياطي الذهب البنوك لدي المركزية العربية بلغ 1515.1 طن، فيما وصل احتياطي الذهب لدى دول العالم مجتمعة 35664.5 طن.

وبحسب التقرير الذي أوردته قناة "rt" الروسية، فإن 5 دول عربية تستحوذ على حصة الأسد من هذه الاحتياطيات (حوالي 69%)، كالتالي: السعودية (323.1 طن)، لبنان (286.8 طن)، الجزائر (173.6 طن)، العراق (132.6 طن)، مصر (125.9 طن).

وعالميا، تصدرت الولايات المتحدة دول العالم من حيث احتياطيات الذهب بـ (8133.5 طن)، تليها في المرتبة الثانية ألمانيا (3352.6 طن)، ثم إيطاليا (2451.8 طن)، وبعدها فرنسا (2436.9 طن)، وأخيرا روسيا مع احتياطيات تبلغ 2329.6 طن.