تُعد ألاسكا رابع أعلى ولاية أميركية في احتياطيات النفط
اختيار ألاسكا كمكان للقاء الرئيسين يوم الجمعة المقبل، لم يكن صدفة. فبدلاً من موسكو أو واشنطن، فضّلت أميركا وروسيا أرضاً أقرب ما تكون نقطة التقاء بين البلدين. إنها ألاسكا، الولاية الأميركية التي تكاد تلامس الشرق الروسي عبر مضيق بيرينغ. هذا الخيار كان مقترحاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه وقَبِل به الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
يصف مسؤولو الكرملين هذا الاختيار بأنه منطقي تماماً كون ألاسكا أقرب ولاية أميركية إلى روسيا، إذ لا يفصل بينهما سوى قرابة 55 ميلاً (حوالي 88 كيلومتراً) عبر المضيق، وفقاً لتصريح يوري أوشاكوف، مستشار السياسة الخارجية الروسي، لوسائل إعلام روسية رسمية.
لكن الجغرافيا ليست وحدها الدافع؛ فالأرض كانت تابعة للإمبراطورية الروسية قبل أن تنتقل ملكيتها إلى الولايات المتحدة العام 1867وفقاً للأرشيف الوطني الأميركي. حاكم ألاسكا نفسه رحّب بالفكرة، معتبراً أن ولايته كانت «جسراً بين الأمم» ولا تزال بوابة للدبلوماسية والأمن في الشمال البعيد، وفقاً لبيان مكتب حاكم ألاسكا.
شهدت ألاسكا تحولات دراماتيكية في القرن التاسع عشر. فبين عامي 1799 و1867 كانت ألاسكا مستعمرة روسية كاملة الأركان، أسسها التجار وصائدو الفراء الروس الذين وصلوا إليها في أواخر القرن الثامن عشر. لكن بحلول ستينيات القرن التاسع عشر، تغيّرت الحسابات الروسية. فقد خرجت روسيا منهكة ومديونة بعد خسارتها حرب القرم (1853-1856) أمام قوات بريطانيا وفرنسا والعثمانيين. وباتت ألاسكا بالنسبة لسانت بطرسبرغ عبئاً أكثر منها فائدة – فهي أرض واسعة بالغة البعد عن المراكز الروسية، وصعوبة الدفاع عنها أو إمدادها جعلها تُوصف أحياناً بأنها «سيبيريا سيبيريا» لشدة انعزالها.
كما أن الموارد الفروية التي جذبت الروس في البداية استُنزفت إلى حد كبير؛ فقد قُتل معظم الدببة والذئاب وثعالب الماء وغيرها من الحيوانات ذات الفراء الثمين، مما قلّل الجدوى الاقتصادية لبقاء الروس هناك.
أمام هذه التحديات، قررت روسيا بيع ألاسكا للولايات المتحدة لتخفيف أعباء الديون وتحصيل سيولة. وبعد مفاوضات سريعة في ربيع 1867، اتُفق على سعر 7.2 مليون دولار أميركي فقط مقابل مساحة تفوق نصف مليون ميل مربع – أي ما يعادل نحو 2 سنت لكل فدان.
وقامت الولايات المتحدة بتسديد هذا المبلغ (الذي يقدَّر بحوالي 130 مليون دولار بقيمة اليوم) وحصلت على ألاسكا رسمياً في ذلك العام.
في حينها، سخر البعض في واشنطن من الصفقة واعتبروها حماقة وزير الخارجية ويليام سيوارد (Seward’s Folly) ظناً منهم أن ألاسكا مجرد أرض جليدية عديمة النفع.
لكن السنوات كشفت كنز ألاسكا المخفي؛ فبعد عقود من الإهمال الأميركي لألاسكا، اكتُشف الذهب هناك العام 1896، ثم في خمسينيات القرن العشرين اكتُشفت احتياطيات نفطية ضخمة في أراضيها. بحلول 1959 أصبحت ألاسكا ولاية أميركية، وتبيّن أنها غنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز والمعادن؛ ما حوّلها إلى مصدر ثراء إستراتيجي للولايات المتحدة.
واليوم تُعد ألاسكا رابع أعلى ولاية أميركية في احتياطيات النفط المؤكدة (حوالي 3.4 مليار برميل) وخامس أعلى ولاية في معدل إنتاج النفط الخام وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA.
بالنسبة لبوتين، اختيار ألاسكا ليس مجرد مسألة قرب جغرافي، بل رسالة سياسية وتاريخية؛ إذ ما تزال بعض الكنائس الأرثوذكسية ذات الطراز الروسي قائمة هناك منذ القرن التاسع عشر وفقاً لمتحف التراث الروسي في ألاسكا. المبعوث الروسي كريل دميترييف نشر صوراً لهذه المعالم، واصفاً الولاية بأنها «أميركية ذات أصل روسي»، وفقاً لوكالة تاس الروسية.
محللون روس، مثل إيليا بودرايتسكي، يعتبرون مجرد عقد القمة في أرض كانت روسية «انتصاراً رمزياً» لموسكو، ودليلاً على أن سياسة بوتين القائمة على الصبر ورفع السقف دفعت خصومه للتفاوض بشروط، وفقاً لمقابلة بودرايتسكي مع صحيفة نوفايا غازيتا. لكن خبراء غربيين مثل سام غرين من كينغز كولدج يحذرون من رمزية المكان، خاصة في ظل مطالب موسكو بالاعتراف بضم أراضٍ أوكرانية وفقاً لتصريح غرين لصحيفة الغارديان.
ترامب يدخل القمة بهدف وقف الحرب الأوكرانية وتقديم نفسه كصانع سلام، ملوحاً بعقوبات جديدة على روسيا وعلى دول تستورد نفطها، مثل فرض رسوم 50% على واردات الهند من النفط الروسي وفقاً لوكالة بلومبرغ. كما زاد تسليح أوكرانيا لإظهار قدرته على الضغط العسكري.
في المقابل، يسعى بوتين لترسيخ سيطرته على الأراضي الأوكرانية ورفع العقوبات، مع ضمانات بتقليص الدعم الأميركي لكييفوفقاً لتسريبات دبلوماسية نشرتها رويترز. وبحسب مراقبين، قد يقدم بوتين بادرة مثل وقف القصف الجوي مؤقتاً لإظهار حسن النية وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI.