بعد تعرض ثلاث من منشآت إيران النووية للقصف الأميركي، رجح خبراء مصريون أن تتجاوز أصداء التصعيد العسكري المنطقة، لتصل إلى حركة الملاحة في قناة السويس، إذا ما نفذت طهران وجماعة الحوثي تهديداتهما.
التلفزيون الإيراني، قال عقب تعرض المنشآت النووية الإيرانية للقصف الأميركي، فجر الأحد، إن البرلمان وافق على إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من إجمالي الإمدادات العالمية من النفط، ولكن الأمر لم يحسم بعد، بانتظار مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
كانت جماعة الحوثي في اليمن أعلنت استعدادها لاستهداف السفن الأميركية في حال شنت واشنطن هجوماً على إيران، ما سيدفع شركات الشحن العالمية لإعادة توجيه سفنها بعيداً عن البحر الأحمر، خوفاً من تصعيد إقليمي شامل، قد يفقد قناة السويس مليارات الدولارات خلال أشهر قليلة.
في حديثه مع «إرم بزنس» أشار الخبير الاقتصادي المصري بلال شعيب إلى أنّ المواجهة الحالية بعد قصف المنشآت النووية الإيرانية تحمل سيناريوهات مفتوحة وغير محسومة، أولها تهدئة هشّة تُبقي الاشتباكات محصورة في الأجواء، ما قد يؤدي إلى تراجع إيرادات قناة السويس المصرية بنسبة تتراوح بين 10 و15% على المدى القصير.
ويتمثل السيناريو الثاني، برأي شعيب، في تصعيد محدود يشمل مضيق باب المندب أو هرمز بشكل جزئي، ما قد يتسبب في انخفاض دخل القناة بنحو 30% ويجبر الحكومة على تقديم حوافز إضافية لجذب السفن.
أما السيناريو الثالث وهو الأخطر فهو اندلاع حرب شاملة تُغلق أحد المضيقين أو كليهما، ما قد يؤدي إلى فقدان ما يصل إلى نصف إيرادات القناة السنوية، ويُلزم الدولة المصرية بتغطية فجوة غير مسبوقة في العملة الصعبة، حسب شعيب.
شعيب حذر من أنّ أي تصعيد إقليمي أوسع سينعكس مباشرة على حجم حركة التجارة العالمية وبالتالي على إيرادات قناة السويس التي فقدت، وفق تقديرات حكومية، نحو 10.5 مليار دولار خلال الأشهر الـ18 الماضية بسبب التوترات الجيوسياسية.
بدوره، أوضح خبير النقل البحري الدكتور محي الدين السايح، أنّ القلق من إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب سيرفع أقساط التأمين البحري بصورة حادة، ما يدفع بعض خطوط الشحن إلى تقليص المرور مؤقّتاً عبر قناة السويس، كما حدث في العام الماضي.
ولفت السايح في حديثه مع «إرم بزنس» إلى أنّ إيرادات القناة قد تتراجع على المدى القصير في حال غلق المضيقين، بينما قد تصل الخسائر إلى 40% إذا تحوّل التصعيد إلى حرب إقليمية طويلة الأمد.
رجح السايح، أن تفضل شركات الشحن، في حال عادت الهجمات على السفن العابرة للبحر الأحمر من قبل الحوثيين، الإبحار حول طريق رأس الرجاء الصالح رغم طول الرحلة بنحو أسبوعين تقريباً، لتجنّب المخاطر الأمنية في المنطقة.
وتشير تقديرات موقع «Splash 247» المتخصص في الشحن والنقل البحري إلى أنّ حركة حاويات «آسيا-أوروبا» عبر القناة انخفضت نحو 90% مطلع 2025، مع تحوّل ناقلات النفط والغاز تدريجياً إلى المسار ذاته.
السايح اعتبر أن الخطر لا يزال محدوداً حتى الآن، إذ إنّ تبادل الضربات الجوية لم يمتدّ بعد إلى مسرح عمليات بحري، لذلك فلا تأثير مباشراً على أمن الملاحة في الوقت الحالي.
لكنه حذّر من أنّ احتمال تدخّل الحوثيين مرّة أخرى أو تعرض الملاحة لأي أزمات في مضيق باب المندب سيعيد تكرار الأزمة التي عانتها القناة نتيجة هجمات جماعة الحوثي على السفن.
تقرير سابق لـ«مجلس الأطلسي» وهو مؤسسة بحثية أميركية، أكد أن القناة لم تتعاف تماماً من هجمات العام الماضي، وأن أي خرق للتهدئة قد يقلب الموازين سريعاً.
من جانبه، أشار رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي، في حديثه مع «إرم بزنس» إلى أنّ استمرار النزاع يهدّد الاتجاه الصعودي الأخير في إيرادات القناة.
وارتفعت عوائد القناة إلى 16.8 مليار جنيه شهرياً في مارس وأبريل 2025 بعد أن كانت 13.1 مليار في فبراير، قبل أن يلوح شبح الحرب الشاملة مجدّداً.
كانت قناة السويس سجلت تراجعاً حاداً في إيراداتها، حيث أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مارس الماضي، أن القناة تخسر نحو 800 مليون دولار شهرياً، بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
فيما تجاوزت الخسائر 7 مليارات دولار، وتراجعت حركة مرور السفن بالقناة بنحو 50% خلال العام الماضي، وفق تصريحات لرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، أدلى بها أبريل الماضي.
وفي يناير 2025 تراجع دخل القناة إلى 428 مليون دولار فقط، مقارنةً بـ 804 ملايين دولار خلال الشهر نفسه من 2024، بانخفاض يقارب 47%، مع تراجع حركة السفن بنحو 30%.
خلال العام الماضي، لم تعبُر سوى 13,213 سفينة القناة، مقارنةً بـ26434 في عام 2023، ما يعني تراجعاً يقارب النصف. كما تراجعت إيرادات الربع الأول من العام الجاري إلى نحو 904 ملايين دولار، منخفضةً 6% على أساس سنوي.
أما على مستوى الحركة، فقد عبرت القناة 981 سفينة فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، بانخفاض يبلغ 17.1% عن الفترة نفسها من العام السابق؛ كما تراجعت الحمولة الصافية 23.1% إلى 115.6 مليون طن.
جاءت الخسائر السابقة بعد عام قياسي في 2023 حيث حقّقت فيه القناة 9.4 مليار دولار، لتصبح اليوم مهدَّدة بفقدان ما يقرب من ثلث هذا الرقم خلال 2025 إذا استمر النزاع على حاله وتوسعت رقعته.
لمواجهة نزيف الخسائر، أعلنت هيئة قناة السويس خفض رسوم عبور سفن الحاويات العملاقة 15% حمولة 130 ألف طن فأكثر لمدة 90 يوماً، إلى جانب حزمة خدمات بحرية إضافية لجذب الوكلاء الملاحيين.
كما تواصل الهيئة مشروع التعميق والتوسعة الثانية لزيادة الطاقة الاستيعابية بنسبة 28% بحلول 2027.
وبرأي خالد الشافعي فإنه كلّما طال أمد الصراع، ازدادت تكلفة عدم اليقين؛ وكلّما أثبتت مصر قدرتها على حماية الممرّ وخدمته، استعادت القناة جاذبيتها، مؤكداً أنّ القاهرة تمتلك هامش تحرّك دبلوماسي يمكن توظيفه لتهدئة الملاحة في البحر الأحمر.