ترى الشركات التركية فرصاً اقتصادية كبيرة في سوريا المجاورة، حيث فتح رفع العقوبات الأميركية الباب أمام استثمارات واسعة في جهود إعادة الإعمار بعد الحرب، لكنها لا تزال متوجسة من التحديات القائمة، وأبرزها انعدام الأمن واستمرار تعقيدات النظام المصرفي والضريبي.
وجاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء القيود المفروضة منذ سنوات طويلة على النظام المالي السوري، والتي عزلت دمشق عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، بمنزلة طوق نجاة لبلد أنهكته حرب استمرت 13 عاماً.
شركات البناء والنقل والتصنيع التركية، والتي دعمت المعارضة السورية سابقاً، باتت اليوم من أبرز حلفاء الحكومة السورية الجديدة، ما يجعلها مؤهلة للعب دور محوري في إعادة إعمار ما تقدّر الأمم المتحدة خسائره بنحو تريليون دولار.
«كان الحديث عن رفع العقوبات مجرد إشاعة متداولة منذ مدة، لكن مع إعلان ترامب، تغيّر كل شيء فجأة»، يقول عمر هوت، مدير شركة «فورمول بلاستيك» ومقرها إسطنبول لوكالة رويترز.
من جهته، وصف وزير المالية السوري، يسر برنية، بلاده بأنها «أرض الفرص»، مشيراً إلى أن الحكومة تعتزم إصلاح الأنظمة الضريبية والجمركية والمصرفية، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل تنفيذ تعهدات التمويل التي قدمها المانحون الدوليون.
رغم هذه الوعود، فإن مقابلات أجريت مع مسؤولين في نحو عشرين شركة تركية تكشف عن مزيج من التفاؤل حيال السوق السورية التي كانت مغلقة سابقاً، والحذر إزاء واقع استثماري محفوف بالمخاطر، حيث يصعب أحياناً حتى إجراء تحويلات مالية أو العثور على سيولة نقدية.
أفاد هوت أن شركته تلقّت أولى طلبات الشراء من سوريا، ويتوقع أن تستحوذ الشركات التركية في نهاية المطاف على ربع مشاريع إعادة الإعمار، إلا أنه أقرّ بصعوبات حالية، قائلاً: «بدلاً من البنوك، يعتمد التجار حالياً على الوسطاء مثل مكاتب الصرافة لإتمام المدفوعات، وسيستمر هذا النموذج في الوقت الراهن».
شركات تركية أخرى شاركت هذا الأسبوع في معرض «بيلدكس» لمواد البناء في العاصمة السورية دمشق، ووصفت الطلب المحلي بأنه «قوي جداً»، رغم مخاوفها من الضرائب المرتفعة والمشكلات الجمركية وبُنية النقل التحتية المتهالكة.
«نحن نأخذ مخاطرة محسوبة، إن صح التعبير»، يقول بوراك سيريم، المدير الإقليمي للصادرات في شركة «إنتيغري هارتش» لصناعة مواد البناء.
بعد الإطاحة بالرئيس الأسد في ديسمبر وتشكيل حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدأت تركيا تجني مكاسب اقتصادية ملموسة، وتعهدت أنقرة بدعم الاقتصاد السوري، بما في ذلك من خلال تزويده بالغاز الطبيعي، بينما أعلنت «زراعت بنك»، أكبر بنك حكومي تركي، استعدادها لدعم القطاع المصرفي السوري حين تتوفر الظروف المناسبة.
كما تستعد شركتا «كاليون جي إي إس» و«جينغيز إنرجي» التركيتان لتوسيع شبكة الكهرباء السورية بموجب اتفاق جديد.
بعد أن تراجع النشاط التجاري السوري مع العالم إلى أدنى مستوياته خلال الحرب، بدأت المؤشرات الاقتصادية تتحرك صعوداً، فقد ارتفعت الصادرات التركية إلى سوريا بنسبة 37% في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، وفقاً لبيانات رسمية.
وشهدت واردات سوريا من الآلات التركية تضاعفاً ثلاث مرات، بينما زادت واردات المعادن غير الحديدية بنسبة 100%، وسجّل الزجاج والسيراميك نمواً بنسبة 73%.
ورغم تعهدات التمويل من دول غربية غنية، ومؤسسات مانحة، ودول خليجية، إلا أن معظم هذه التعهدات لا تزال في طور الوعود، وتخشى الشركات التركية أن تكون هذه الأموال غير كافية لإعادة بناء الطرق والجسور والسدود ومحطات الطاقة.
مع تقلص حجم الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب، يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، بحسب تقديرات أممية، ما يحدّ من قدرة الحكومة على تمويل مشاريع الإعمار من مواردها الذاتية.
«يعتمد نجاحنا على الممولين الذين سيتكفّلون بمشاريع إعادة الإعمار، لكننا سنكون جزءاً أساسياً منها مهما كانت الظروف»، يقول فولكان بوزاي، المدير العام لجمعية مصنعي الأسمنت الأتراك.
ويتطلّع المصنعون الأتراك أيضاً إلى سوريا كمركز إنتاج منخفض التكلفة، «انخفاض تكلفة الإنتاج في سوريا ميزة مهمة»، بحسب أحمد أوقصوز، عضو مجلس إدارة شركة «كيباش» التركية للمنسوجات، مضيفاً: «لكن ينبغي تنسيق الجهود بين الحكومتين التركية والسورية لإنشاء مناطق صناعية منظمة تضمن الأمن الكامل للمصنعين».
«سوريا تحتاج إلى نحو ستة أشهر لإرساء الأمن وتأسيس نظام بيروقراطي فعال»، يقول هاكان بوجاك، الرئيس السابق لمجلس الأعمال التركي-السوري، والذي يخطط حالياً لافتتاح مقلع للحجارة قرب مدينة حلب.
ويختتم بقوله: «إذا شعرنا بالأمان، فسنمضي قدماً في الاستثمار».