شبح الارتفاعات المقلقة في سوق الذهب بمصر، جنباً إلى جنب مع زيادة سعر الدولار، دفع إلى تحركات شبه رسمية لإعادة إحياء مبادرة الإعفاء الجمركي لواردات الذهب من المصريين بالخارج، وذلك لتفادي عودة الأسعار إلى "مستويات غير منطقية" كما حدث العام الماضي عندما تجاوزت 4000 جنيه (82.47 دولاراً) للغرام الواحد.
توقع مختصون لـ"إرم بزنس" أن يستمر صعود أسعار الذهب حتى نهاية العام الحالي، بسبب عوامل عالمية ومحلية، منها الإقبال المتزايد من المصريين على الذهب كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية، ومشدّدين على ضرورة تبني حلول مبكرة مثل مبادرة الإعفاء الجمركي لتجنب تكرار الارتفاعات التي شهدها عامي 2022 و2023، والتي كانت نتيجة لارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
وبعد أشهر من ارتفاعات كان أبرزها في يناير 2023 حيث سجل عيار 21 وهو الأكثر مبيعاً في مصر مستوى 4100 جنيه (83.5 دولار) للغرام، تم تطبيق قرار إعفاء الذهب من الجمارك على فترتين، الأولى في مايو 2023 لمدة 6 أشهر، قبل أن يتم تمديدها مرة أخرى للفترة ذاتها في شهر نوفمبر لتنتهي في شهر مايو 2024، وقد ساهم هذا القرار في جذب حوالي 4.3 طن من الذهب إلى البلاد من الخارج، وفق تصريحات لمستشار وزير التموين لشؤون الذهب، ناجي فرج، في يونيو الماضي، لم يحسم خلالها توقيتاً لتجديد تلك المبادرة التي اعتبرها مهمة لصالح الاقتصاد المصري.
المبادرة المعروفة إعلامياً بـ"زيرو جمارك" ستقوم شعبة الذهب في اتحاد الغرف التجارية المصرية بتقديم طلب للحكومة قريباً لإعادة إحيائها، بحسب ما كشف رئيس الشعبة، هاني ميلاد، لـ"إرم بزنس". يأتي هذا الطلب على أمل تحقيق توازن بين العرض والطلب والأسعار العالمية والمحلية، مشابهاً لما تحقق العام الماضي، خاصة مع توقع استمرار الارتفاعات حتى نهاية العام.
يعتقد هاني ميلاد أن تزايد الارتفاعات وعدم الاستقرار في الأسعار يؤثر في السوق المحلي، مما يؤدي إلى تقلب أسعار الذهب نتيجة قلة المعروض وزيادة الطلب، خاصة مع ظهور نمط من الشراء التحوطي من المواطنين الراغبين في الحفاظ على قيمة أموالهم.
وسجل حجم مشتريات المصريين من الذهب في الربع الثاني من عام 2024 نحو 14.4 طن، بزيادة عن مشتريات الربع الأول من نفس العام التي بلغت 13.2 طن. ومع ذلك، فقد انخفضت المشتريات بنسبة 16% مقارنة بالربع الثاني من عام 2023، الذي سجل 17.1 طن، وفقاً لإحصائية مجلس الذهب العالمي في 30 يوليو الماضي.
وفقاً لميلاد، فإن توقع شعبة الذهب لاستمرار ارتفاع أسعار المعدن النفيس حتى نهاية العام هو ما دفعها إلى اقتراح إعادة مبادرة "زيرو جمارك".
وفي صباح الثلاثاء، سجل سعر غرام الذهب عيار 21 نحو 3480 جنيهاً (70.4 دولار)، مرتفعاً عن مستوى 3470 جنيهاً (70.2 دولار)، مع تجاوز سعر الغرام بالمصنعية 3600 جنيه (72.9 دولار). كما ارتفع سعر الجنيه الذهب بمقدار 80 جنيهاً ليصل إلى 27840 جنيهاً (565 دولاراً).
وأوضح هاني ميلاد أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر في سعر الذهب في السوق المحلي: أولاً، السعر العالمي للذهب، الذي سجل مساء الاثنين نحو 2457 دولاراً للأوقية؛ ثانياً، سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، حيث يسجل الدولار 49.37 جنيهاً؛ وأخيراً، عوامل العرض والطلب.
من جانبه، يرى الدكتور وصفي واصف، مستشار شعبة الذهب باتحاد الصناعات، أن الارتفاعات الحالية في أسعار الذهب تعود إلى تأثير التضخم العالمي على السوق الأميركي، بالإضافة إلى زيادة سعر الدولار من 47 إلى نحو 50 جنيهاً من قبل البنوك المصرية، مما دفع المتداولين إلى توقع ارتفاع مماثل في أسعار الذهب.
ويضيف "واصف" أن سبباً مهماً آخر يتمثل في الارتفاع المستمر للأسعار في مصر، مما دفع الأفراد ذوي السيولة إلى الاستثمار في الذهب كملاذ آمن. هذا الاتجاه أدى إلى زيادة الطلب على الذهب في ظل قلة المعروض، حيث "شهدنا طلباً كبيراً على السبائك والجنيهات الذهبية."
وبلغت مشتريات السبائك والعملات الذهبية في مصر خلال الربع الثاني من عام 2024 حوالي 7.6 طن، بزيادة عن مشتريات الربع الأول من العام نفسه التي بلغت 5.2 طن. ومع ذلك، فإنها انخفضت بنسبة 27% مقارنة بمشتريات الربع الثاني من عام 2023 التي سجلت 10.4 طناً.
تعد الشائعات أيضاً عاملاً محفزاً للشراء، حيث يسعى المواطنون للاستثمار في الذهب كوسيلة للتحوط من التقلبات الاقتصادية التي تؤثر في العالم بأسره، وليس فقط على مصر. ويدعم هذا الاتجاه استمرار الاضطرابات الدولية، خاصة مع التوترات وترقب التصعيد بين إيران وإسرائيل، ما قد يدفع أسعار الذهب للارتفاع بشكل ملحوظ، وفقاً لما ذكره واصف.
ولفت الخبير في شؤون الذهب إلى أن ارتفاعات الذهب العام الماضي كانت مرتبطة بالسوق الموازي للدولار، وارتفعت بشكل غير منطقي معه، مستدركاً: "لكن هذا العام هناك قيود حكومية قوية لمنع أي تداول لدولار خرج المصارف الرسمية".
وأشار إلى أن مبادرة "زيرو جمارك" كانت حلاً مهماً لمواجهة ارتفاعات الذهب العام الماضي، بفضل الكميات التي جلبها العاملون من الخارج خلال عودتهم في الإجازات.
وأشار إلى أن توقيت تنفيذ المبادرة يعد حاسماً لتحقيق تأثير فعّال، مؤكداً على أهمية إنشاء بورصة رسمية منظمة من قبل الدولة والقانون لبيع وشراء الذهب، على غرار ما يحدث في دول أخرى. فقد تلعب البورصة الرسمية، بعيداً عن التداول اليومي، دوراً مهماً في ضبط السوق والأسعار بشكل أكثر جديّة وفعالية.