logo
اقتصاد

ارتفاع ودائع العملات الأجنبية في مصر.. مخاوف من عودة الدولرة

ارتفاع ودائع العملات الأجنبية في مصر.. مخاوف من عودة الدولرة
سيدة تخرج من محل صرافة في العاصمة المصرية القاهرة يوم 24 أغسطس 2022.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:11 أغسطس 2024, 12:17 م

أثار ارتفاع سعر الدولار المفاجئ في مصر خلال الأيام الماضية مخاوف من عودة ظاهرة الدولرة تزامناً مع ارتفاع الودائع، خشية تكرار أزمة السوق الموازية التي عانت منها البلاد قبل قرارات مارس الماضي.

وفي السادس من مارس الماضي، قرر "البنك المركزي المصري" تحرير سعر الصرف بعدما شهدت البلاد ارتفاعات غير مسبوقة في سعر الدولار بالسوق الموازية نتج عن تزايد الطلب عليه من المستوردين والمنتجين أو كملاذ آمن بحثاً عن الاستقرار المالي مع تراجع قيمة الجنيه المصري.

وخلال الأيام الماضية، قفز الدولار مقابل الجنيه من مستويات 48 جنيهاً إلى قرب 50 جنيهاً ليستقر عند 49.20 جنيهاً بعد نحو 5 أشهر من الاستقرار في سعر الصرف الذي أعقب تعويم الجنيه في مارس الماضي، وتسبّب في تراجع قيمته مقابل الدولار من 30.85 جنيهاً لـ50 جنيهاً قبل أن يستقر عند مستويات 47 و48 جنيهاً.

أسباب الارتفاع المفاجئ

خبراء مصرفيون واقتصاديون كشفوا لـ"إرم بزنس" عن 3 عوامل تسببت في الارتفاع المفاجئ في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري خلال التعاملات الأخيرة، منها تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة بين إيران وإسرائيل عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وخروج 12 مليار دولار من الأموال الساخنة التي كانت تستثمر في أذون الخزانة، بالإضافة إلى تزايد الطلب على الدولار من قبل المصريين وسط استمرار فرض قيود على توفيره من المصادر الرسمية.

ووفق الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، فإن ارتفاع سعر الدولار خلال الأيام الماضية كان أمراً طبيعياً في ظل اتباع آليات سعر الصرف المرن وتأزم الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، إذ قالت إن الخوف من توسع نطاق التصعيد العسكري في المنطقة تسبب في قيام المستثمرين الأجانب ببيع بعض استثماراتهم في أذون الخزانة المصرية، مما أدى إلى زيادة سعر الدولار نتيجة لارتفاع الطلب عليه وفق آلية السوق الحرة.

وبحسب الدماطي، فإن سعر الجنيه المصري يعتبر عادلاً أمام كل العملات الأجنبية خلال الفترة الحالية، مشيرة إلى أن سعر الصرف لن يتحرك بمستويات كبيرة، إذ تتوقع استقراره عند مستويات تتراوح ما بين 48 جنيهاً إلى 50 جنيهاً خلال الفترة القادمة، لافتة إلى اعتزام الدولة المصرية سداد ديون تصل لأكثر من 30 مليار دولار خلال العام الجاري، بالإضافة إلى انخفاض مبالغ خدمة الدين خلال الأعوام المقبلة، مما يقلل الضغط على عجز الموازنة والنقد الأجنبي في آنٍ واحد، على حد قولها.

وكشف البنك المركزي مؤخراً عن تراجع الدين الخارجي لمصر إلى 153.86 مليار دولار في نهاية مايو الماضي بانخفاض 14.17 مليار دولار خلال 5 أشهر.

عودة السوق السوداء

ورغم أن قرار تعويم الجنيه في مارس قضى على السوق السوداء، لكن يبدو أنها عادت إلى المشهد مجدداً بعد نحو 3 أشهر، إذ تمكنت وزارة الداخلية في منتصف شهر يونيو الماضي من ضبط 24 مليون جنيه مصري (487 ألف دولار) متحصلة من قضايا الاتجار في العملة.

ووفقاً للقانون المصري، يعاقب من يمارس "الاتجار في العملة" بالحبس لمدة تتراوح بين 3 إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى غرامات مالية كبيرة تتراوح بين مليون جنيه (20.3 ألف دولار) و5 ملايين جنيه (101 ألف دولار)، بينما تصل عقوبة شركات الصرافة المخالفة إلى إلغاء الترخيص وشطب القيد من السجل.

رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الدكتور رشاد عبده، يؤكد أن الحل الوحيد لاستقرار سعر الصرف والقضاء على تجارة العملة هو توافر الدولار بشكل كامل في الأسواق، لأن القيود التي تفرضها البنوك أو شركات الصرافة على السحب بالدولار تشجع الأفراد على اللجوء إلى السوق السوداء لتلبية احتياجاتهم المالية.

وأضاف في حديث لـ"إرم بزنس"، أن القيود التي تفرضها البنوك وشركات الصرافة على المسافرين بمنحهم مبالغ محدودة عند تقديم مستندات السفر لا تتجاوز في بعض الأحيان 300 دولار، مما يدفع البعض للبحث عن المبالغ التي يحتاجها خارج السوق الرسمية.

وضمن الإجراءات المصرية لمواجهة أزمة نقص الدولار، تفرض البنوك المصرية 10% رسوم تدبير عملة على أي عملية تنفذ بالعملة الأجنبية من خلال كروت الائتمان، مع منع تنفيذ المعاملات بالعملات الأجنبية من البطاقات الخاصة بالحسابات البنكية.

ويحذر عبده من عودة السوق السوداء بشكل أكبر عما كانت عليه قبل قرار التعويم الأخير، ما لم يكن هناك توفير للدولار بالمنافذ الرسمية لمن يحتاجونه سواء لأغراض السفر أو غيرها من الأمور، من دون تعقيدات في الإجراءات، مؤكداً أنه ما لم يحدث ذلك فإن سعر الدولار مرشح دائماً للارتفاع مقابل الجنيه المصري، وستظل السوق الموازية تمارس نشاطها غير القانوني.

الاتجاه نحو الدولرة

بينما يضيف الخبير الاقتصادي مصطفى بدره بعداً آخر للأزمة، وهو اتجاه المصريين لظاهرة الدولرة لاقتناء الدولار للتحوط من تراجع قيمة الجنيه المصري، حيث يلجأ البعض إلى تحويل أموالهم إلى الدولار كوسيلة للحفاظ على قيمتها وهي الظاهرة التي عانى منها الاقتصاد المصري خلال العامين الماضيين، متوقعاً أن يؤدي استمرار التضخم إلى زيادة الضغوط على الجنيه المصري؛ وبالتالي استمرار ارتفاع الدولار وتزايد عمليات التحوط.

والدولرة هي ظاهرة يلجأ إليها الأفراد والمؤسسات عبر استخدام عملة أجنبية، مثل الدولار الأميركي بحثاً عن الاستقرار المالي، وكبديل عن العملة المحلية التي لا تستطيع توفيره بسبب تأرجح قيمتها، ويهدف هذا الاتجاه إلى الحماية من مخاطر انخفاض قيمة الجنيه المصري وارتفاع التضخم.

ويوضح بدره في حديث لـ "إرم بزنس" أن أسباب ارتفاع حجم ودائع المصريين بالعملات الأجنبية في البنوك المصرية، بعضها ناتج عن ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج، والبعض الآخر جاء نتيجة لاستثمار المصريين في الدولار والاستفادة من سعر العائد المرتفع على الودائع الدولارية والتي تصل إلى 5.5%.

ووفقاً لأحدث بيانات صادرة عن "البنك المركزي المصري"، ارتفعت الودائع بالعملات الأجنبية غير الحكومية في بنوك مصر بنحو 2.41 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024، لتصل إلى 53.03 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي.

كما تلقت البنوك المصرية – وفق البيانات ذاتها - مدخرات أجنبية بقيمة 1.36 مليار دولار خلال يونيو الماضي فقط، لترتفع أرصدة الودائع بالعملة الأجنبية من 51.67 مليار دولار في مايو 2024، إلى 53.03 مليار دولار في يونيو الماضي، وهي الزيادة الأعلى منذ بداية العام الحالي.

كما كشف "المركزي المصري" عن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الربع الثاني من العام الحالي بـ63.04%، على أساس سنوي.

وأوضح أن تحويلات المصريين في الخارج قفزت إلى 7.5 مليار دولار خلال الفترة من أبريل وحتى يونيو 2024، مقابل نحو 4.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

تراجع تدريجي

بدوره، يتوقع الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع أن "تتراجع قيمة الجنيه خلال الفترة المقبلة بشكل تدريجي، في ظل اتباع سياسة سعر صرف مرنة، وفي حدود يقبلها وضع الدولة الدولاري، نتيجة الضغوط المستمرة التي يشهدها الاقتصاد.

ويقول نافع لـ"إرم بزنس" إنه إذا تم سحب الدولار بشكل كبير لسداد الديون وتغطية الواردات دون مراجعة وتدقيق، فإن السوق الموازية سوف تعود من جديد، وسيتجاوز معها سعر الدولار المستويات القياسية التي حققها قبل مارس الماضي.

ووفق بيانات "البنك المركزي المصري"، سيتعين على الدولة سداد نحو 32.8 مليار دولار والتي تعادل نحو 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC