في ظل التحولات والتحديات الاقتصادية المتسارعة، يتحرك المغرب نحو إصلاح تدريجي لنظام صرف عملته، في خطوة تهدف إلى تعزيز مرونة الدرهم والاقتصاد الوطني وحمايته من الصدمات الخارجية.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، اعتمد المغرب نظام صرف ثابت يربط الدرهم بسلة من العملات تعكس بنية التجارة الخارجية، وقد تم تعديل مكونات هذه السلة عدة مرات لمواكبة تطورات المبادلات الدولية.
وخلال جلسة أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين أمس الإثنين، أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن إصلاح نظام صرف الدرهم يُعد خياراً استراتيجياً حاسماً لمستقبل الاقتصاد الوطني، ينسجم مع التوجه العام للإصلاحات الهيكلية التي تباشرها المملكة، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء.
وأوضح أن المغرب ينخرط بوعي وتدرج في تحديث نظام الصرف، بهدف تعزيز قدرته على مواجهة تقلبات الأسواق العالمية وتطوير أداء الاقتصاد الوطني، مشدداً على أن إصلاح نظام الصرف ليس تهديداً للتوازنات الاقتصادية، بل وسيلة لتقويتها وتكييفها مع متطلبات اقتصاد منفتح وحديث.
الجواهري أشار إلى أن هذا الإصلاح يشكل حجر الأساس في السياسة النقدية، ويؤثر بشكل مباشر على التوازنات المالية والقدرة الشرائية للمواطنين، فضلاً عن تأثيره على حجم التبادلات التجارية وجذب الاستثمارات الأجنبية..
وأضاف أن بنك المغرب خصص سنوات من الدراسة والتحليل، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والمالية، للاطلاع على التجارب الدولية وتقييم آثار هذا الإصلاح على الاقتصاد الوطني. كما أكد أن صندوق النقد الدولي يواكب هذا المسار بإشراف سنوي ويوصي بمواصلة التدرج نحو مزيد من المرونة.
وفي السياق ذاته، أوضح محمد التعموتي، مدير الدراسات الاقتصادية ببنك المغرب خلال الجلسة ذاتها، أن الانتقال إلى المرحلة التالية من الإصلاح يتطلب الحفاظ على مستوى مريح من احتياطيات النقد الأجنبي، وضبط معدلات التضخم، وتوفير سوق صرف أجنبي أكثر عمقاً وسيولة. كما شدد على أهمية اعتماد سياسة تدخل شفافة من قبل البنك المركزي، إلى جانب تطوير آليات إدارة مخاطر الصرف في القطاعين العام والخاص.
بينما أشار يونس عصامي، مدير العمليات الاقتصادية والصرف، إلى أن هذا المشروع الاستراتيجي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج إعداد طويل بدأ منذ عام 2007، بالتنسيق بين بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، مؤكداً أن السوق المحلي بات اليوم أكثر استعداداً لمواصلة هذا المسار، في ظل استقرار معدلات التضخم وازدياد تأثير آليات السوق في تحديد سعر الصرف.
ووفق موقع بنك المغرب، بدأت فعلياً المرحلة الأولى من الإصلاح يوم 15 يناير 2018، عبر توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم من ±0.3% إلى ±2.5%، وفقاً لسلة عملات تتكون من 60% من اليورو و40% من الدولار.
ورافق هذه الخطوة تنفيذ آليات جديدة لتنشيط سوق الصرف بين البنوك، شملت اعتماد آلية «ماسك السوق» التي تخول للبنوك المعنية تحديد أسعار العملات ضمن الهامش المسموح، وتحديد السعر المرجعي للعملات الأجنبية من خلال تسعيرات السوق، إضافة إلى تقليص تدخل بنك المغرب تدريجياً عبر تبني نظام مزايدات العملة.
كما تم إطلاق منصة إلكترونية لتداول العملات بين البنوك، وتبسيط الإطار القانوني المنظم لعمليات الصرف، بهدف تحسين السيولة وتعزيز الشفافية في السوق. واعتبر والي بنك المغرب أن هذه الإجراءات مهدت الأرضية لانتقال سلس وتدريجي نحو نظام صرف أكثر مرونة، مبني على قوى العرض والطلب.