ومن المتوقع أن يجري النمو في الولايات المتحدة "بنحو مرن ومدهش" وبنسبة 3.1% في عام 2024، أي أعلى بـ0.2% مقارنة بتقديرات شهر أكتوبر، وذلك وفقاً لصندوق النقد الدولي الذي نشر توقعاته الاقتصادية الجديدة يوم الثلاثاء الماضي.
ويعود هذا التفاؤل المتجدد إلى الأداء غير المتوقع للاقتصاد الأميركي، الذي كان أقوى من المنتظر وتحدى التوقعات بحسب تقرير لصحيفة لوفيغارو. ونما الناتج المحلي الإجمالي للقوة الرائدة في العالم بنسبة 2.5% في عام 2023، على عكس الركود الذي أعلنه الخبراء الاقتصاديون قبل عام.
والأهم من ذلك، من المتوقع أن يرتفع النمو هذا العام بنسبة 2.1% وليس 1.5% كما أعلن اقتصاديو صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي.
وتعد هذه المراجعة التصاعدية بمقدار 0.6 نقطة، في حين أن التصحيحات في أغلب الأحيان تختلف بحوالي 0.1% إلى 0.3% لا غير.
واستفاد الاقتصاد الأميركي من استمرار قوة سوق العمل والاستهلاك المحلي القوي، ولم يتراجع كما توقع العديد من المحللين إثر سياسة التشديد النقدي التي انتهجها البنك المركزي والتي صاحبتها زيادة في أسعار الفائدة الرئيسة. ولذلك يرى صندوق النقد أن هذه الديناميكية ستستمر في عام 2024 فيما يهدأ التضخم وتوقع خفض أسعار الفائدة في الربيع المقبل.
وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أصبحت أوروبا تفقد قوتها، وتباطأ الاقتصاد في منطقة اليورو العام الماضي ولم يبلغ النمو فيها سوى 0.5%، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالديناميكية الأميركية.
وكان نمو الدول السبعة والعشرين عائداً إلى الديناميكية الإسبانية (+ 2.5%)، المدفوعة بالسياحة والاستهلاك، وإلى الديناميكية الفرنسية (+ 0.9) التي تجاوز أداؤها متوسط الأداء الأوروبي.
وإذا كان الخبراء في صندوق النقد الدولي قد أخطأوا في تشاؤمهم بشأن النمو الأميركي، فالعكس هو الصحيح بالنسبة لمنطقة اليورو، حيث من المتوقع أن يزداد النمو الاقتصادي بنسبة 0.9% فقط هذا العام، أي أقل بـ 0.3% مما كان متوقعا في أكتوبر الماضي.
ويشير البنك الدولي إلى أن هذا الأداء الضعيف يرجع إلى "انخفاض ثقة المستهلك، والتأثيرات المستمرة لارتفاع أسعار الطاقة وضعف الاستثمار من قبل الشركات والصناعات التحويلية" الذي يعيقه ارتفاع أسعار الفائدة.
ويعاني النمو في القارة العجوز بشكل خاص من انحدار أكبر اقتصاد فيها، أي ألمانيا حيث تعاني صناعتها من توقف الإمدادات الروسية من الغاز الروسي الرخيص، وهي صدمة نجت منها الولايات المتحدة، المنتج والمصدر الكبير للهيدروكربونات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الطلب الصيني يعيق الصادرات الألمانية بنحو خطير. وقرار المحكمة الدستورية في كارلسروه والذي سيحد من مجال المناورة أمام برلين في ما يتعلق بالإنفاق العام، لن يساعد على دعم النشاط.
ومن المتوقع أن تضيق فجوة النمو بين منطقة اليورو والولايات المتحدة في عام 2025 حيث يتوقع صندوق النقد الدولي زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7% في المنطقتين. وفي الجانب الأوروبي "ينبغي أن يكون التعافي مدفوعاً بارتفاع استهلاك الأسر، مع تلاشي تأثيرات الصدمة على أسعار الطاقة وتباطؤ التضخم"، كما يشير خبراء الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
وبما أن التنبؤ فن هش، فالمحللون يرون أن عام 2024 قد يأتي ببعض المفاجآت السارة، إذا انخفض التضخم بسرعة أكبر من المتوقع. وهذا ما سيسمح بتخفيف التشديد النقدي في وقت أقرب مما كان متوقعاً، وبالتالي تحسين معنويات الشركات والمستهلكين والأسواق. ومن شأن تسريع التعافي في الصين أن يكون مفيداً أيضاً للنمو العالمي.
وعلى العكس من ذلك، لا تزال هناك مخاطر عديدة محتملة، كارتفاع أسعار المواد الخام، على خلفية الأرصاد الجوية والصدمات الجيوسياسية (الصراع في غزة، والاضطرابات في البحر الأحمر، وظاهرة النينيو)، واستمرار التضخم ، وحتى تباطؤ النمو الصيني.