وتشير بقوة البيانات التي تم الحصول عليها من خلال بحث حكومي طويل المدى، إلى أن الإعاقات المماثلة لإعاقات كوفيد، سبق وأن سجلت زيادة قبل ظهور الوباء. وهذا استناداً إلى تحقيق لم يأت قط على ذكر مرضى كوفيد، ولكنه استخدم مجموعة قياسية من الأسئلة تم اعتمادها في عام 1999.
فالمسألة مهمة جداً. فالحملة التي قام بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم كثيرة التعقيد، نظراً لقلة الباحثين عن العمل في سوق العمل في الولايات المتحدة. فأبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة، وذلك يرجع إلى حد كبير، إلى اعتقاده بأن توقعات خبراء الاقتصاد بأن المشاركة سترتفع سريعاً عندما يتلاشى الوباء. وبدلاً من ذلك، كما أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في خطاب ألقاه مؤخراً،"أن علامات التوتر الشديد ظهرت فجأة في سوق العمل في منتصف عام 2021" ، ويبدو أن النقص في اليد العاملة والمقدر بنحو 3.5 مليون شخص، "من غير المرجح أن يعوّض كلياً في مستقبل قريب".
وبشكل عام، فإن عدد الأميركيين الذين يبلّغون عن حالات عجز من أنواع مختلفة، قد يرتفع مع مرور الوقت، نظراً لأن مختلف حالات العجز ترتبط بتقدم العمر والشيخوخة، وعمر سكان الولايات المتحدة يسجل ارتفاعاً ويزداد شيخوخة.
وتكشف بيانات 2016-2021 عن صورة مختلفة تماماً. فعلى الرغم من انخفاض بأعداد الأشخاص الذين يبلّغون عن "إعاقة متنقلة" أو "إعاقة الرعاية الذاتية"، يصل إلى ما يقرب من مليون شخص، وأكثر من 400 ألف على التوالي، ارتفع عدد الأشخاص الذين بلّغوا عن "إعاقة إدراكية" بنحو مليون شخص، وازداد عدد الأشخاص الذين بلّغوا عن "إعاقة بصرية" أكثر من 300 ألف شخص، والنتيجة الصافية هي زيادة إجمالية قدرها 1.5 مليون في عدد الأشخاص الذين بلّغوا عن "أي حالة من الإعاقة.
وهذا ما يوحي بأن سكان الولايات المتحدة يشهدون نمواً في الإعاقة، لا يرتبط بالشيخوخة أو بتوافر استحقاقات الإعاقة، الأمر الذي لن يفضّل إعاقة على أخرى، بالطريقة القاسية التي توحي بها البيانات. وعلى النقيض من ذلك، ارتفع عدد الأشخاص الذين بلّغوا عن إعاقة متنقلة بين عامي 2011 و2016، بمقدار 1.28 مليون شخص، وارتفع عدد الأشخاص الذين بلّغوا عن إعاقات الرعاية الذاتية بمقدار 450256 شخصاً. ومع تقدم عمر جيل ازدهار المواليد إلى السبعينات، ربما يتوقع المرء أن يستمر هذا النمط في البيانات الجديدة.
قد تفسّر جائحة كوفيد-19 كلاً من الانخفاض المفاجئ في الإعاقات المتنقلة والرعاية الذاتية، والزيادة في حالات إعاقات الإدراك والرؤية. ويرجع هذا إلى أن 1.1 مليون حالة وفاة بمرض كوفيد، أثّرت بشكل غير متناسب على الأميركيين الضعفاء والمسنين، الذين يعانون من إعاقات متنقلة والرعاية الذاتية، بما في ذلك أولئك الذين تم إيواؤهم في دور رعاية المسنين، في حين تم تسجيل 100 مليون شخص في الولايات المتحدة، قد تكون حالات مرض كوفيد تركت العديد من الأميركيين الآخرين الذين يعانون من صعوبات مزمنة في الإدراك والبصر.
والبيانات الشهرية الأحدث والمأخوذة من أصغر مسح للسكان الحاليين، تكشف عن اتجاه مماثل. وفي حال اتخذنا المعدل السنوي للمعاقين نرى أن العدد التقديري للموظفين الأميركيين ذوي الإعاقة، ارتفع بنسبة 19% تقريباً، أي من 5.86 مليون إلى 6.96 مليون بين عامي 2019 و2022. وفي مستهل الأمر، تكهّن الاقتصاديون بأن الزيادة الأسرع من المعتاد، كانت نتيجة حصول المزيد من الأميركيين ذوي الإعاقة على وظائف في الولايات المتحدة، في عصر العمل عن بعد. والآن، يبدو من المعقول أيضا أن المزيد من الأميركيين الذين لديهم وظائف قد أصيبوا بإعاقات في عصر كوفيد الطويل.
وإذا كان الوباء قد تسبب بحدوث تحوّل في الإعاقة، من الأميركيين الأكبر سنّاً والأضعف خارج القوة العاملة، إلى الأميركيين الأكثر لياقة والذين سيكونون أكثر نشاطاً في القوى العاملة اليوم، فإن ذلك يعني وجود عجز هيكلي مستمر في القوة العاملة. وقد يعني ذلك أيضاً اتساع عدم التوافق بين المواهب المتاحة والوظائف في الولايات المتحدة.
ووفقاً لبحث أجرته مؤسسة راند، فإن معظم الأميركيين (ثلثاهم) يعملون في كثير من الأحيان بسرعات عالية، أو في ظل مواعيد نهائية ضيقة، وغالباً ما يكون لديهم وقت قصير جداً للقيام بوظائفهم، وغالباً في ظل ظروف موتّرة ومرهقة عقلياً. وأبلغ أكثر من نصف الأميركيين عن تعرضهم لظروف عمل خطرة. وقد لا تكون مثل هذه الظروف مناسبة كلياً للعاملين، الذين يعانون من دماغ ضبابي أو من ضعف في الأداء العقلي. وبدلاً من ذلك، قد يحتاج العمال ذوو الإعاقات الإدراكية، إلى المزيد من خدمات التوظيف المدعومة من الحكومة، أو المزيد من أماكن العمل التي يوفرها صاحب العمل والتقنيات المساعدة، لكي يظلوا يعملون بشكل آمن ومثمر.