استثناء المملكة المتحدة وحدها من القرار
التعريفات تضر التوظيف الأميركي أكثر مما تفيده
لم يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديداته، رغم دخوله مفاوضات تجارية مع أغلب خصومه وشركائه التجاريين في آن واحد، إذ وقع منذ ساعات على أمر بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50%؛ ما أثار ردود فعل غاضبة في أوروبا نظراً لانخراطها حالياً في مفاوضات تجارية مع واشنطن للتوصل إلى اتفاق.
هذه الخطوة تؤدي إلى زيادة الضرائب على الواردات من المعادن، وهي مدخلات رئيسة في كل شيء، بدءاً من السيارات وحتى الأغذية المعلبة، وذلك للمرة الثانية منذ شهر مارس، ليثير عاصفة من الغضب خصوصاً لدى دول الاتحاد الأوروبي الاكثر تضرراً من القرار.
كتب الرئيس الأميركي في نص الأمر التنفيذي الذي نشرته صفحة «الاستجابة السريعة 47» الرسمية على منصة «إكس»: «الإجراءات التي ستدخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء تهدف إلى تأمين مستقبل صناعة الصلب الأميركية».
وفقاً لبنوك استثمار عالمية، من المتوقع أن تقود الرسوم الجديدة إلى فوضى بين منتجي الصلب خارج الولايات المتحدة، وتثير ردود فعل انتقامية من جانب الشركاء التجاريين، وتأتي بتكلفة باهظة على المستخدمين الأميركيين للمعادن.
قبل ساعات من رفع الرسوم الجمركية، لم تصدق العديد من الشركات المتضررة بشكل مباشر أن الخطة تتقدم إلى الأمام، على أمل أن يتبين أنها مؤقتة أو مجرد حيلة تفاوضية، والسؤال الآن: هل تلك الرسوم تكتيك تفاوض أو خطة طويلة الأجل؟.
لم يستثن القرار سوى دولة واحدة، إذ حصلت المملكة المتحدة على استثناء من التدابير؛ ما ترك الرسوم على وارداتها من الفولاذ والألمنيوم عند 25%، وهي الخطوة التي قال ترامب إنها تعكس مناقشاتها التجارية الجارية مع الولايات المتحدة، وذلك جراء الاتفاق التجاري الذي تم الإعلان عنه مطلع مايو.
الولايات المتحدة أكبر مستورد للصلب في العالم، بعد الاتحاد الأوروبي، وتحصل على معظم المعدن من كندا والبرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية، وفقاً للحكومة الأميركية.
خلال فترة ولايته الأولى، فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على الصلب و10% على الألومنيوم، مستشهداً بقانون يمنحه سلطة حماية الصناعات التي تعتبر حيوية للأمن القومي.
إلا أن العديد من الواردات تمكنت في نهاية المطاف من الإفلات من الرسوم الجمركية بعد أن أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات تجارية مع حلفائها ومنحت إعفاءات لبعض الواردات بناء على طلب الشركات.
في ولايته الثانية، أنهى ترامب تلك الاستثناءات في مارس الماضي، قائلاً إنه غير راض عن الطريقة التي تم بها إضعاف الحماية على الصناعة الأميركية.
قال ترامب في تجمع حاشد، يوم الجمعة الماضي، في مصنع الصلب الأميركي «يو إس ستيل» إنه يريد رفع الرسوم الجمركية إلى مستويات عالية للغاية بحيث لا يكون أمام الشركات الأميركية أي بديل سوى الشراء من الموردين الأميركيين.
وعن مضاعفة الرسوم إلى 50%، قال ترامب: «لن يتمكّن أحد من تجاوزها، هذا يعني أنه لن يتمكن أحد من سرقة صناعتنا، عند نسبة الـ 25%، يمكنهم تجاوز هذا الحاجز؛ أما عند نسبة الـ 50%، فلن يعودوا قادرين على تجاوز الحاجز».
بحلول شهر مايو لم تتغير الواردات ومعدل إنتاج الصلب الخام في الولايات المتحدة كثيراً منذ العام الماضي، قبل أن يرفع ترامب الرسوم الجمركية، وفقاً للمعهد الأميركي للحديد والصلب.
لكن واردات الصلب انخفضت بنسبة 17% في أبريل، مقارنةً بشهر مارس، إذ أبدت العديد من الشركات التي تبيع المعادن إلى الولايات المتحدة عن توقعها أن يؤدي إعلان ترامب الأخير إلى انخفاض أكبر في المبيعات.
كانت تحركات ترامب في شهر مارس دفعت بالفعل كندا والاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد للرد بفرض رسوم جمركية على منتجاتهما الأميركية.
في أوروبا، قال أولوف جيل، المتحدث باسم الأمن الاقتصادي والتجارة في المفوضية الأوروبية في بيان إن الجانبين «انخرطا في محادثات مكثفة لمحاولة إحراز تقدم نحو التوصل إلى اتفاق».
وأضاف جيل: «نتفاوض بجدية لمحاولة التوصل إلى صفقات جيدة مع الأميركيين، نأمل حقاً أن يتراجع ترامب عن هذا التهديد الأخير بفرض الرسوم الجمركية»
في المملكة المتحدة، فرض إعلان ترامب ضغوطاً جديدة على الحكومة لتثبيت اتفاق التجارة الذي يجري العمل عليه مع الولايات المتحدة، والذي كان من المتوقع أن يوفر بعض الحماية من الرسوم الجمركية على المعادن في مارس.
والتقى وزير التجارة جوناثان رينولدز مع الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير في باريس يوم الأربعاء، وفي بيان مشترك قال جوناثان: «مسرور لأن محادثات التجارة نجحت في حماية الصلب البريطاني من الرسوم الجمركية الأخيرة».
كما قال الوزير: «سنواصل العمل مع الولايات المتحدة لتنفيذ اتفاقنا، الذي سيشهد رفع الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 25% على الصلب».
قال غاريث ستاس، المدير العام لاتحاد صناعة الصلب في المملكة المتحدة، الذي يمثل شركات صناعة الصلب، في بيان إن أعضاء الاتحاد شهدوا بالفعل إلغاء وتأخير الطلبات نتيجة للرسوم الجمركية البالغة 25% التي تم فرضها في مارس.
وحذّر ستاس، من فشل الاتفاق التجاري مع واشنطن، ورغم الضرر الواقع على الصناعة من الرسوم السابقة 25%، فإنه حذّر من أن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% سيكون كارثيًّا على صادرات المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، والتي تمثل نحو 7% من إجمالي الصادرات.
قال المدير العام لاتحاد صناعة الصلب في المملكة المتحدة: «فرض رسوم جمركية بنسبة 50% يُنهي الوضع فوراً، سيتم إلغاء معظم طلباتنا، إن لم يكن جميعها».
تشير تقديرات تحليلية أجريت عام 2020 إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى خلقت نحو ألف وظيفة في صناعة الصلب، لكنها كلفت الاقتصاد 75 ألف وظيفة في قطاعات أخرى، مثل التصنيع والبناء.
قالت إيريكا يورك، نائبة رئيس السياسة الضريبية الفيدرالية في مؤسسة الضرائب، في بيان: إنها تتوقع أن تشهد خسائر أكبر في الوظائف هذه المرة إذ إن بعض الأدلة الأقوى تُعارض فرض رسوم جمركية على المدخلات الوسيطة كالصلب والألمنيوم، إذ تُعتبر ضرورية لأنها تزيد تكلفة الإنتاج في الولايات المتحدة».