في ظل التحول العالمي المتسارع نحو الاقتصاد الأخضر، يبرز الاستثمار في الكربون كأحد أبرز الاتجاهات الجديدة التي تجمع بين الربحية والمسؤولية البيئية.
ومع تصاعد الضغوط للحد من انبعاثات الكربون، بدأت أسواق الكربون تستقطب اهتماماً متزايداً من المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، مدفوعة بفرص العائد المرتفع، والدور المتنامي للكربون كأصل مالي إستراتيجي.
والاستثمار في الكربون هو عملية تمويل أو شراء أصول أو مشاريع تهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، خاصة ثاني أكسيد الكربون، أو تعويضها. ويشمل هذا الاستثمار دعم مشاريع الطاقة المتجددة، والتشجير، أو التقنيات التي تلتقط الكربون من الجو، وكذلك شراء «أرصدة كربونية» (Carbon Credits) من أسواق الكربون.
خلال العقد الماضي، تحوّلت أسعار الكربون من نطاق هامشي إلى مسار تصاعدي لافت، لا سيما في نظام تداول الانبعاثات الأوروبي «EU ETS».
ففي العام 2015، كان سعر الطن الواحد من الكربون لا يتجاوز 7 يوروات، بينما بلغ ذروته فوق 100 يورو في العام 2023، قبل أن يستقر خلال مايو 2025 بين 70 و73 يورو للطن.
ويُقدّر أن متوسط العائد التراكمي للاستثمار في الكربون خلال 10 سنوات يقترب من 900%، متجاوزًا بذلك أداء مؤشرات رئيسة مثل «ستاندرد آند بورز 500».
خيارات الاستثمار في الكربون باتت متعددة، تبدأ من صناديق المؤشرات المتداولة التي تتابع أسعار الكربون في الأسواق المنظمة، مثل صندوق «KRBN» و«GRN»، مروراً بالاستثمار المباشر في شركات تعمل على خفض الانبعاثات أو احتجاز الكربون، ووصولًا إلى شراء أرصدة كربون طوعية عبر منصات متخصصة، مثل «ClimateTrade» و«Pachama».
تعتمد سوق الكربون على مبدأ تسعير الانبعاثات، حيث يتوجب على الشركات، خاصة في الأسواق المنظمة، شراء تصاريح مقابل كل طن من ثاني أكسيد الكربون تنبعث منها.
كما تتيح الأسواق الطوعية للمؤسسات والأفراد تعويض انبعاثاتهم بشراء أرصدة من مشاريع بيئية.
ويجري تداول هذه التصاريح على نحو شبيه بالأسهم، ما يخلق ديناميكية سوقية قائمة على العرض والطلب.
رغم الفرص الواعدة، فإن هذه السوق لا تخلو من عوامل مؤثرة قد تزيد من تقلباتها. فالتشريعات البيئية تلعب دوراً حاسماً في تحفيز الطلب على التصاريح، كما أن تقليص المعروض منها يعد من أدوات رفع الأسعار ودفع الشركات نحو خفض الانبعاثات.
من جهة أخرى، تؤثر أسعار الطاقة التقليدية في تكاليف الانبعاثات، فيما قد تسهم التطورات التكنولوجية في تقليل الاعتماد على التصاريح مستقبلاً.
في حين يرى محللون أن منحى الأسعار الصاعد يعزز من جاذبية الكربون كأصل استثماري، فإنهم يحذّرون في الوقت ذاته من التقلبات المرتبطة بالتغيرات السياسية والتنظيمية، إضافة إلى ضعف الشفافية في بعض الأسواق الطوعية.
ويجمع خبراء على أن الاستثمار في الكربون لا ينبغي النظر إليه فقط كأداة مالية، بل كرهان إستراتيجي على مستقبل المناخ والاقتصاد العالمي بعد عصر الوقود الأحفوري.