الأولوية لتأمين 200 ألف وحدة سكنية في مختلف أنحاء البلاد
إعادة هيكلة الشركات العامة الإنشائية ودراسة آليات الشراكة مع «الخاص»
في سوريا التي أنهكتها الحرب لأكثر من 14 عاماً، لا يُعد ملف الإسكان مجرد مسألة عمرانية، بل ركيزة أساسية لإعادة الحياة إلى المدن والقرى، وتحقيق الاستقرار لملايين السوريين الذين دُمرت منازلهم.
وسط هذا المشهد، تبرز وزارة الأشغال العامة والإسكان كجهة محورية في جهود التعافي، مدفوعة بخطة وطنية شاملة لإعادة الإعمار، تستند إلى مسوحات ميدانية، وصور فضائية، وتعاون مع شركاء محليين ودوليين.
كشف وزير الأشغال العامة والإسكان مصطفى عبدالرزاق في حديث لـ«إرم بزنس» أن نحو 25% من الوحدات السكنية في البلاد، ما يعادل مليون وحدة تقريباً، مدمّرة كلياً أو متضررة بشدة، بحسب التقديرات.
وأوضح أن الوزارة أجرت بالتعاون مع جهات أخرى، مسوحات للأضرار في البنى التحتية والمرافق العامة، ركزت على المحافظات الأكثر تضرراً مثل حلب، حمص، إدلب، حماة، وريف دمشق.
كما أظهرت الصور الفضائية حجم التدمير في المناطق المهجورة، والتي يصعب الحصول فيها على بيانات دقيقة.
تعتمد الوزارة على هيئة التخطيط الإقليمي وخطط التعافي الحضري لوضع خطة عمل متكاملة، بالتنسيق مع الجهات المعنية ونقابة المهندسين.
وتشمل الخطة ثلاث مرتكزات رئيسة: التخطيط المكاني، تطوير قطاع البناء والتشييد، والتحول الرقمي.
وأكد عبدالرزاق أن الوزارة تحدّث مشروع الاستراتيجية الوطنية للإسكان بالشراكة مع مؤسسات حكومية، أكاديمية، ومراكز أبحاث، إضافة إلى المجتمع المحلي والقطاع الخاص.
ومن أولويات هذه الاستراتيجية تأمين 200 ألف وحدة سكنية في مختلف أنحاء البلاد، استناداً إلى «تقرير حالة الإسكان» كوثيقة مرجعية.
كما لفت إلى أن الرؤية الوطنية التي وضعتها الوزارة لسياسة إعادة الإعمار ضمن إطار تخطيطي زمني ومكاني، تستند إلى منطلقات واضحة، تشمل وحدة الأراضي السورية، والاستقرار والتماسك الاجتماعي والأمني، وعودة المهجرين، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، والحماية البيئية للموارد الطبيعية لا سيما المائية، والتنمية الزراعية بما يحقق الأمن الغذائي، وحماية التراث الوطني الأثري والثقافي والطبيعي، وكل ذلك من خلال الحوكمة والإدارة الرشيدة.
فيما يتعلق بكلفة الإعمار، أشار عبدالرزاق إلى تصريح سابق لممثل البنك الدولي عام 2022 قدّر فيه التكلفة الإجمالية بنحو 900 مليار دولار، بينما يرى خبراء محليون أن الرقم الواقعي الأقرب للتنفيذ يبلغ حوالي 440 مليار دولار.
وتطرق إلى سعي الوزارة لإنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة، تعتمد على التخطيط المكاني من المستوى الوطني حتى المحلي، مع التركيز على التنمية الإقليمية.
ويشمل ذلك الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي 2035، الذي يترجم إلى مشاريع على الأرض مثل الاستراتيجية الإقليمية الساحلية، التي أنجزت مرحلتها الخاصة بإقليم طرطوس.
وتُشرف الوزارة على إصدار المخططات التنظيمية للمحافظات، وتقديم الدعم اللازم لمتابعة تنفيذ المشاريع التنموية.
أوضح الوزير أن المؤسسة العامة للإسكان تواصل تنفيذ برامج مخصصة لذوي الدخل المحدود، تشمل السكن الشبابي، العمالي، الحكومي، والبديل.
في الوقت ذاته، تخضع الشركات العامة الإنشائية لعملية إعادة هيكلة، ودراسة آليات الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز كفاءتها في مشاريع الإعمار.
كما شدّد على أهمية دور نقابة المقاولين والمهندسين، وتطوير مراكز التدريب المهني لتأهيل الكوادر اللازمة لمرحلة إعادة البناء.
جزم عبدالرزاق بأن العقوبات المفروضة على سوريا أثّرت بعمق على قطاع الإسكان، عبر رفع كلفة البناء ونقص المواد الأولية، إضافة إلى القيود المالية التي حالت دون مشاركة المستثمرين والمطورين العقاريين في مشاريع محلية، رغم وجود فرص استثمارية.
وبيّن أن هذه التحديات انعكست بشكل مباشر على الواقع المعيشي للمواطنين، لكن مع رفع العقوبات، بدأت هذه التحديات بالتراجع.
وتطرق إلى ترقّب حذر لترجمة رفع العقوبات فعلياً على الأرض، ما سيمهّد الطريق لنهضة عمرانية واقتصادية في مختلف المجالات.