تقارير
تقاريرمواطن مصري يمسك عملة فئة 200 جنيه- رويترز

مصر تسدد ثمناً باهظاً.. أزمة طاقة وعملة وتصنيف ائتماني

في 28 يومًا فقط.. وكالات التصنيف الثلاثة تخفض التصنيف
رغم أن أكبر بلد عربي من حيث السكان لم يكن طرفًا مباشرًا في الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل، إلا أن مصر كانت واحدة من أولى الدول التي طالتها تداعيات تلك الحرب التي تقترب من إتمام شهرها الأول، وهو الأمر الذي ظهر جليًا مع عود أزمة انقطاع الكهرباء في ظل تعثر إمدادات الغاز جنبًا إلى جنب مع صدمة وكالات التصنيف الثلاثة الكبرى، حيث قامت موديز وستاندرد آند بورز وفيتش في أقل من شهر بخفض تصنيف مصر.

وتزامنًا مع اندلاع الصراع في غزة تأثر قطاع الطاقة المصري جراء نقص إمدادات الغاز الإسرائيلي ما ساعد على تأجيج أزمة انقطاع الكهرباء، وفي غضون ذلك قررت الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود في إطار الخطة الدورية لمراجعة الأسعار.

قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس والتدفق المحتمل للاجئين يزيد من المخاطر الأمنية في سيناء
فيتش
الثلاثي يكتمل

وتأتي أزمة الطاقة وتداعيات توترات الشرق الأوسط جنبًا إلى جنب مع أزمة نقص العملة الأجنبية وانخفاض قيمة الجنيه الذي قفز بمعدلات التضخم لمستويات قياسية وسط توقعات بمواصلة ارتفاع التضخم مع إعلان المركزي المصري تثبيت أسعار الفائدة وكذلك رفع أسعار الوقود.

وتتجلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر مع قيام اكتمال ثلاثي وكالات التصنيف الدولية بخفض تصنيف مصر الائتماني، وهي التخفيضات التي صدرت تباعًا مع اندلاع الصراع، حيث بدأت بموديز مرورًا باستاندرد آند بورز نهاية بتخفيض فيتش الصادر منذ ساعات.

وحذرت بنوك استثمار عالية جنبًا إلى جنب وصندوق النقد الدولي من امتداد تأثير التداعيات السلبية للحرب على الاقتصاد العالمي، جنبًا إلى جنب والتأثر الإضافي الذي سيطال دول الجوار مصر ولبنان والأردن.

اقرأ أيضًا- العراق يضرب السوق السوداء بقرار جديد
البداية مع موديز

في مطلع أكتوبر، أعلنت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية أنها خفضت التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

تصنيف Caa1 لوكالة موديز يعد ضمن درجة المضاربة، ويتم الحكم على الالتزامات والديون ذات التصنيف Caa1 بأنها ذات وضع ضعيف وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية جدًا.

وأرجعت الوكالة قرار خفض التصنيف إلى تراجع قدرة البلاد على تحمل الديون، مع استمرار نقص النقد الأجنبي في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي خلال العامين المقبلين.

وأشارت موديز إلى أن عملية تغطية خدمة الدين من خلال الاحتياطيات الحالية البالغة نحو 27 مليار دولار قد تضعف بشكل كبيرة خلال العامين المقبلين خاصة في غياب تدابير لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي.

الاقتصاد المصري سينمو بشكل أبطأ من المتوقع مع تآكل القوة الشرائية بسبب التضخم وضعف الجنيه
ستاندرد أند بورز
نظرة مستقرة

وتوقعت موديز أن تساعد عائدات بيع الأصول (برنامج الطروحات الحكومية) في استعادة احتياطي السيولة من العملة الصعبة للاقتصاد، وحددت النظرة المستقبلية لمصر عند "مستقرة".

وأوضحت أن النظرة المستقرة تعكس سجل الحكومة الخاص بقدرتها على تنفيذ الإصلاح المالي وإطلاق استراتيجية بيع الأصول الحكومية.

وتعكس توقعات الوكالة أن مصر ستستمر في الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي بموجب اتفاق بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

مخاوف ستاندرد

وقبل نهاية أكتوبر، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز، الجمعة، التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر إلى "-B" من "B"، مشيرة إلى تزايد ضغوط التمويل على البلاد.

وتواجه مصر تحديات اقتصادية أدت إلى سلسلة من تخفيضات قيمة العملة وتضخم قياسي مع ارتفاع تكاليف الواردات الأساسية عقب جائحة كورونا وأزمة روسيا وأوكرانيا بحسب ستاندر آند بورز.

وقالت ستاندرد آند بورز: "إن التخفيض يعكس التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد، من بين عوامل أخرى".

ضعف العملة

ولفتت الوكالة إلى أن الاقتصاد المصري سينمو بشكل أبطأ مما كان متوقعا في السابق مع تآكل القوة الشرائية بسبب التضخم وضعف الجنيه.

وقالت ستاندرد آند بورز : "من المرجح أن تظل الضغوط التضخمية مرتفعة إذ نتوقع المزيد من الضعف في سعر الصرف".

وأضافت ستاندرد آند بورز: "بسبب أزمة العملة الأجنبية، نتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر في السنة المالية 2024 بيد أنها وضعت النظرة المستقبلية للبلاد عند مستقرة".

تراجع قدرة مصر على تحمل الديون، مع استمرار نقص الدولار وزيادة مدفوعات خدمة الدين بالعامين المقبلين
موديز
زيادة المخاطر

ومنذ ساعات قليلة، خفضت وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل لمصدري العملات الأجنبية إلى "B-" هبوطا من "B".

وأشارت فيتش، في تقريرها، إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي والسياحة في ظل الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل قد تؤثر على قطاع السياحة المصري.

وقالت الوكالة إن الحرب بين إسرائيل وحماس تشكل مخاطر سلبية كبيرة على السياحة في مصر، وفق ما نقلته رويترز.

تأثير الحرب

وأشارت فيتش إلى أن قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس والتدفق المحتمل للاجئين يزيد من المخاطر الأمنية خاصة في منطقة سيناء.

وقالت فيتش: "إن الإيرادات المتوقعة من السياحة وقناة السويس في مصر وتعافي التحويلات من الخارج ستساعد في احتواء احتياجات التمويل بسبب زيادة الواردات".

وأوضحت فيتش أن التصنيف يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر واستقرار الاقتصاد الكلي ومسار الديون الحكومية المرتفعة بالفعل".

وفي المقابل، عدلت وكالة التصنيف الائتماني فيتش نظرتها المستقبلية لمصر من "سلبية" إلى "مستقرة".

الزيادة باستهلاك الكهرباء من الغاز تزامن مع انخفاض الغاز المورد من خارج مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى صفر
وزارة البترول المصرية
أزمة طاقة

وفي غضون ذلك، تستعد مصر لاستقبال أول شحنة غاز مسال يتم استيرادها منذ يوليو الماضي، وذلك مع مخاوف من عودة انقطاع الغاز جراء توقف تدفقات الغاز الإسرائيلي.

وانعكس تعثر إمدادات الغاز جليًا على مصر مع تجدد أزمة انقطاع الكهرباء، وهي الأزمة التي كانت تعرضت لها البلاد مع ارتفاع درجات الحرارة القياسي في صيف العام الجاري.

وتستورد مصر الغاز الإسرائيلي من حقلي الغاز تمار وليفياثان الواقعين في البحر الأبيض المتوسط ​​قبالة سواحل إسرائيل، ما يساعدها في تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال من محطتي تسييل الغاز.

وفي وقت سابق، لفت محللو غولدمان ساكس إلى أن إسرائيل استفادت من طفرة الغاز عبر توجيه المزيد من كميات الغاز إلى مصر حيث يتم تصدير جزء من الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر.

أول شحنة

ومع شح الإمدادات ورغم أن مصر بلد للغاز، تستعد مصر لاستيراد شحنة نادرة من الغاز الطبيعي المسال، حيث أدى الصراع في المنطقة إلى تضييق سوق الوقود وتعثر الإمدادات.

ووفقًا لتقارير دولية فمن المتوقع أن تصل الناقلة ماران غاز كاليمنوس، المحملة جزئيًا بالغاز الطبيعي المسال، إلى ميناء العين السخنة على البحر الأحمر يوم الجمعة.

ووفقًا لبيانات تتبع الناقلات من المقرر أن تكون هذه أول شحنة استيراد لمصر للوقود فائق التبريد منذ يوليو.

سيؤثر فقدان واردات الغاز الإسرائيلي من منصة تمار على قدرة مصر على تصدير الغاز الطبيعي المسال
وكالة الطاقة الدولية
مؤشر هام

وتعد الشحنة مؤشرا على أن مصر وهي الدولة المصدرة للغاز الطبيعي المسال بدأت في اللجوء إلى الأسواق العالمية وسط نقص محلي.

وعادة ما تستورد مصر الغاز عبر خط أنابيب من إسرائيل، إلا أن هذا الخط توقف لفترة وجيزة الأسبوع الماضي وسط حرب إسرائيل وحماس.

وفي الوقت ذاته، ارتفع الطلب المحلي في مصر بسبب الطقس الحار غير المعتاد، وهو ما تزامن وتجدد أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

ورغم استئناف التدفقات من إسرائيل الآن، إلا أنها لا تزال تمثل حوالي 30% فقط من أحجامها الطبيعية، وفقًا لبيانات رسمية.

صفر واردات

وبعد انقطاع مؤقت، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، أول أمس، أن صادرات الغاز الطبيعي الإسرائيلية إلى مصر استؤنفت بعد توقفها نهاية الأسبوع الماضي لكن بكميات صغيرة دون أن تحدد حجم التدفق الحالي.

ومطلع الأسبوع الماضي، أظهرت بيانات وزراة البترول المصرية أن واردات الغاز إلى مصر انخفضت إلى صفر من 800 مليون قدم مكعبة يوميا، مما ساهم في قصور في توليد الكهرباء الذي تسبب في انقطاع الكهرباء على مدى أشهر.

جاء ذلك بالتزامن مع توقف مؤقت في حقل الغاز البحري الإسرائيلي كاريش، والذي أدى إلى ضخ مزيد من الغاز من حقل ليفياثان إلى إسرائيل، مما أدى إلى خفض الصادرات إلى مصر.

التنقيب والإنتاج في مصر يكافح من أجل مواكبة الارتفاع السريع في الاستهلاك المحلي وكذلك صادرات الغاز
جيرجيلي مولنار
انقطاع الكهرباء

وبالتزامن مع انخفاض كميات الغاز المستوردة وارتفاع درجات الحرارة، أعلنت الحكومة المصرية مطلع الأسبوع الماضي زيادة فترة انقطاع الكهرباء التي بدأت اعتبارا من السبت الماضي.

ووفقًا لبيان الوزراء المصري فقد عادت الانقطاعات نتيجة الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة عن مثيلاتها في نفس الفترة من العام السابق، والذي أدى بدوره إلى زيادة استهلاك الكهرباء بصورة مرتفعة.

ولفتت الحكومة في البيان إلى انخفاض الطاقة المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة ( الرياح – الشمسية – المائية) في نفس الفترة عن العام السابق.

ونتيجة لذلك زاد التحميل على استهلاك الغاز بكميات فاقت معدلات الاستهلاك الطبيعي، بالمقارنة بالاستهلاك الذي شهدته نفس الفترة من العام السابق.

صفر غاز

وأوضح المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء سامح الخشن أن الزيادة في استهلاك الكهرباء من الغاز تزامنت مع انخفاض كميات الغاز الموردة من خارج مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى صفر.

وأكد المتحدث الرسمي: "إنه حرصا على استمرار تشغيل شبكة الكهرباء بشكل آمن، تم تخفيض الأحمال لحين عودة الحرارة إلى معدلاتها الطبيعية، وبعدها ستعود الأمور كما كانت".

وشهدت مصر هذا الصيف أزمة كهرباء هي الأولى من 2014 في يوليو الماضي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة مما دفع الحكومة لتخفيف الأحمال بالإضافة إلى قرار عمل الموظفين عند بعد يوم الأحد من كل أسبوع.

ضرر كبير

ومع توقف حقل تمار والتوقف المؤقت لحقل ليفياثان توقع جيرجيلي مولنار، محلل الغاز في وكالة الطاقة الدولية أن يؤثر فقدان واردات الغاز الإسرائيلي من منصة تمار على قدرة مصر على تصدير الغاز الطبيعي المسال.

وقال محلل الغاز في وكالة الطاقة الدولية: "إن حقل تمار مهم للغاية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وتوازن العرض والطلب على الغاز في المنطقة".

وأضاف مولنار: "عندما ننظر إلى قطاع التنقيب والإنتاج في مصر، رأينا بالفعل أنه يكافح من أجل مواكبة الارتفاع السريع في الاستهلاك المحلي وكذلك صادرات الغاز الطبيعي المسال".

وتابع: "إذا أخرجنا واردات غاز الأنابيب الإسرائيلية من تلك المعادلة، فإن ذلك سيضر بقدرة مصر على تصدير الغاز الطبيعي المسال خلال الأشهر المقبلة".

الحرب في الشرق الأوسط تقلص النشاط الاقتصادي من خلال تدمير البنية التحتية وتخويف السياح والمستثمرين
صندوق النقد
تراجع حاد

ومع ارتفاع درجات الحرار وزيادة الطلب، صدرت مصر شحنة واحدة فقط من الغاز الطبيعي المسال في أغسطس ولم تصدر أي شحنة في سبتمبر بسبب ارتفاع الطلب المحلي على الغاز في الصيف.

وفقًا لبيانات من S&P Global Commodity Insights فإن صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بلغت حتى الآن هذا العام 3.38 مليون طن فقط، مقارنة بـ 7.1 مليون طن لعام 2022 بأكمله.

وتمتلك مصر منشأتين لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وهما منشأة إدكو التي تديرها شركة شل والتي تبلغ طاقتها 7.2 مليون طن سنوياً، ومصنع دمياط الأصغر حجماً الذي تديره شركة إيني والذي تبلغ طاقته 5 ملايين طن سنوياً.

وفي يونيو 2022، وقعت المفوضية الأوروبية وإسرائيل ومصر مذكرة تفاهم ثلاثية بشأن توريد الغاز الإسرائيلي عبر البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال المصري إلى الاتحاد الأوروبي.

أضرار واسعة

وقال محللو غولدمان ساكس: "إن تقليص إنتاج الغاز في إسرائيل بسبب الصراع الدائر من المرجح أن يؤدي إلى تراجع المعروض العالمي لكن التأثير على أسعار الغاز الأوروبية هامشي في الوقت الحالي".

ومع ذلك، يرى البنك أن المخاطر على أسعار الغاز في أوروبا تميل نحو الاتجاه الصعودي نظرا لحالة عدم اليقين حول مدة تعطل إنتاج الغاز وفي ظل تزايد الغموض حول التداعيات الجيوسياسية للصراع المستمر في الشرق الأوسط.

والأسبوع الماضي، أكدت مدير صندوق النقد الدولي أن صراع الشرق الأوسط سيؤثر سلبًا على اقتصاد دول عربية من بينها مصر مع توقعات بتأثر عائدات السياحة وتدفق الاستثمارات الأجنبية.

ولفتت كريستينا غورغييفا إلى تزايد المخاوف من تعطل الخدمات اللوجستية كقناة السويس إضافة إلى تراجع صادرات الطاقة.

وقالت كريستينا غورغييفا: "إن الحرب بين إسرائيل وحماس تخاطر بتقليص النشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط من خلال تدمير البنية التحتية وتخويف السياح والمستثمرين".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com