تواصل الصين تعزيز موقعها في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، في تحدٍّ متسارع للهيمنة الأميركية التي طالما تصدّرت هذا القطاع الحيوي.
ومع تزايد اعتماد الأسواق الدولية على النماذج الصينية، تبدو ملامح مشهد تكنولوجي جديد في الأفق، حيث تتقلّص الفجوة بين واشنطن وبكين بشكل غير مسبوق، الأمر الذي ينذر بتحولات استراتيجية ستُعيد رسم خريطة القوة التكنولوجية حول العالم.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، باتت شركات صينية مثل «ديب سيك»، و«علي بابا»، و«تينسنت»، و«بايدو» تُنافس بقوة في الأسواق الدولية، حيث تُفضّلها جهات كبرى مثل «إتش إس بي سي» و«ستاندرد تشارترد» و«أرامكو السعودية»، بالإضافة إلى جامعات ومؤسسات بحثية في آسيا وأفريقيا، مستفيدة من الأداء القريب من النماذج الأميركية وتكلفتها المنخفضة.
وعلى الرغم من أن «تشات جي بي تي» التابعة لشركة «أوبن إيه آي» لا تزال الأداة الأكثر استخداماً عالمياً مع أكثر من 910 ملايين تحميل، إلا أن الصعود المتسارع لنماذج مثل «ديب سيك» والتي سجلت 125 مليون تحميل، يُشير إلى تحوّل متدرّج في تفضيلات المستخدمين، خصوصاً في الأسواق الناشئة.
بدوره، شدد الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، براد سميث، في جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي، على أن "التبني العالمي سيكون العامل الحاسم في من سيتفوّق في هذا السباق"، محذراً من صعوبة إزاحة الطرف الذي ينجح في ترسيخ وجوده أولاً.
وتشير تحليلات إلى أن الصين تتفوّق في جانبين أساسيين يُشكلان عماد التنافس: وفرة البيانات ورأس المال البشري.
ويعزز هذا التفوق قدرتها على تقديم نماذج فعّالة وقابلة للتكيّف مع احتياجات المستخدمين، لا سيما في البلدان التي تبحث عن حلول مرنة وذات تكلفة منخفضة.
في المقابل، تواصل واشنطن فرض قيود صارمة على وصول الشركات الصينية إلى الرقائق الأميركية والتمويل، بينما تضخ بكين استثمارات ضخمة في بناء سلسلة إمداد تكنولوجية مستقلة.
وأدى هذا الانقسام المتسارع إلى تحذيرات من دخول العالم في "حرب باردة تكنولوجية"، يتعيّن فيها على الدول اختيار الانحياز لأحد النظامين التقنيين.
وبدأت تداعيات هذا الانقسام تظهر فعلياً؛ إذ توقعت تقارير أن تفقد «إنفيديا» نحو 10 مليارات دولار من عائداتها بسبب القيود الأميركية على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
كما تخسر شركات مثل «غوغل» و«ميتا» حصصاً في أسواق كانت تقليدياً محسوبة على النفوذ الأميركي.
من جهتها، تسعى «أوبن إيه آي» لتوسيع حضورها الدولي من خلال فتح مكاتب جديدة في آسيا وأوروبا، لكنها تواجه منافسة قوية من شركات صينية مثل «زهيبو إيه آي»، التي، وفقاً للتقرير، تسعى إلى فرض معاييرها في الأسواق الناشئة بالتوازي مع تقارير عن تقاربها مع الحزب الشيوعي الصيني.
ويُركّز النموذج الصيني للذكاء الاصطناعي على التطبيقات العملية، ما يمنحه ميزة تنافسية في الأسواق التي تبحث عن حلول فورية.
وتوفّر شركات مثل «علي بابا» و«ديب سيك» نماذج مفتوحة المصدر، ما يُشجّع على تبنّيها وتكييفها لتناسب الاحتياجات المحلية، كما حدث في اليابان وجنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية.
لكن هذا التقدّم ليس خالياً من المخاوف؛ إذ تُحذّر جهات بحثية من استخدام النماذج الصينية كأدوات للتأثير السياسي ونشر الروايات الرسمية لبكين.
وعلى الرغم من أن النسخ المفتوحة من «ديب سيك» تُستخدم دون رقابة، فإن النسخة المخصصة للمستهلكين تُخضع مواضيع مثل شينجيانغ والتيبت للرقابة الصارمة.
ويرى ريتويك غوبتا، زميل سياسات الذكاء الاصطناعي في جامعة «كاليفورنيا – بيركلي»، أن استمرار الصين في بناء منظومة ذكاء اصطناعي مستقلة يُفقد العالم القدرة على مراقبة هذه التقنيات.