في السنوات الأربع الماضية، شهدت القارة الأوروبية تحوّلاً عسكرياً غير مسبوق، أعاد تشكيل خريطة تسلّحها بالكامل.
ارتفاع هائل في واردات الأسلحة، اعتماد متزايد على الولايات المتحدة، وخوف مستمر من المستقبل، فهل نحن أمام سباق تسلّح جديد؟ أم استجابة اضطرارية لعالم يزداد اضطراباً؟
من عام 2020 إلى 2024، ارتفعت واردات الأسلحة الأوروبية 155% مقارنة بالأربعة الأعوام السابقة. بحسب مدير برنامج نقل الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الدكتور ماثيو جورج، فإن صادرات الولايات المتحدة إلى أوروبا تضاعفت ثلاث مرات خلال هذه الفترة، علماً أن أوروبا باتت منذ 2004 الوجهة الأولى للسلاح الأميركي.
أما السبب المباشر لارتفاعات واردات الأسلحة الأوروبية فهي الحرب في أوكرانيا، لكنه ليس السبب الوحيد، فالعواصم الأوروبية أصبحت ترى في التسلّح أداة للبقاء، في عالم لا يوفّر الضمانات.
تخطى اعتماد دول «الناتو» الأوروبية على الأسلحة الأميركية حاجز الـ60%. فألمانيا، على سبيل المثال، وقّعت صفقة بقيمة 9 مليارات دولار للحصول على عشرات الطائرات من طراز F-35.
لكنّ هذا الارتباط العميق يثير التساؤلات: ماذا لو تغيّر المزاج الأميركي؟ هل يبقى الدفاع المشترك صامداً، أم يصبح شعاراً هشاً؟
بينما تتقدّم واشنطن في سوق السلاح، تتراجع روسيا مع انخفاض صادراتها 64%.
ولا يرجع ذلك إلى العقوبات والحرب فقط، بل لأن زبائنها الكبار كالهند والصين بدؤوا يصنعون أسلحتهم أو يتجهون نحو مصادر بديلة.
أما الصين، فرغم قدراتها الصناعية الهائلة، لا تزال صادراتها منخفضة، ما يُعزى ذلك إلى عوامل سياسية، وانعدام الثقة، وقيود السوق، وليس إلى نقص في القدرات التكنولوجية.
إيطاليا وفرنسا بدورهما تسعيان للاستفادة من الفراغ الذي تركته روسيا.
إيطاليا زادت صادراتها 138%، خصوصاً نحو قطر ومصر والكويت، بينما صدّرت فرنسا طائرات «رافال» إلى الهند، ما شكّل نحو 30% من مبيعاتها.
هذه الدول لم تنافس في الكم فقط، بل في القيمة، مستفيدة من صفقات ضخمة وإن كانت بأعداد محدودة.
شراء السلاح لا يقتصر على الصفقة وحدها، بل يتضمن عقوداً من التدريب، والبنية التحتية، والصيانة، والقطع الإضافية.
وأي قرار تتخذه الدولة اليوم، قد يُلزمها بالارتباط بمورّد واحد لعقود قادمة.
حالياً، هناك أكثر من 470 طائرة مقاتلة تنتظرها دول «ناتو» الأوروبية من الولايات المتحدة، بعضها قد يبقى في الخدمة لأكثر من 40 عاماً.
بحسب معهد ستوكهولم، بلغ الإنفاق العسكري العالمي عام 2024 نحو 2.7 تريليون دولار، وهو رقم قياسي للعام العاشر على التوالي.
أكثر من 100 دولة رفعت إنفاقها الدفاعي، ما يعكس توجهاً عالمياً لتقديم الأمن العسكري على حساب مجالات أخرى كالصحة والتعليم.
الأسلحة تُشترى بسرعة، التحالفات تتبدل، والخوف يعمّ العالم.
أوروبا تتسلّح، وروسيا تنكمش، والصين تنتظر فرصتها. فهل هذه التحركات مقدّمة لحرب كبرى؟ أم مجرّد استعراض قوى في عالم فقدَ بوصلته؟