في خضم الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، تُخفي الأراضي السورية ثروات طبيعية هائلة، لم تُستغل بعد بالشكل الأمثل.
فبعيداً عن النفط والغاز، تزخر البلاد بمعادن نادرة ذات قيمة استراتيجية واقتصادية بالغة، وعلى رأسها «السيليكا» عصب الصناعات التكنولوجية الحديثة.
ومع بدء واشنطن برفع العقوبات المفروضة على دمشق، يبرز تساؤل مهم عن إمكانية تحوّل سوريا بكنوزها المدفونة، إلى مركز إقليمي لصناعات المستقبل، وتحقيق حلم «وادي السيليكون السوري».
تُعد «السيليكا» (ثاني أكسيد السيليكون) من أكثر المعادن وفرة في القشرة الأرضية، لكن ليست كل أنواعها ذات جودة عالية أو نقاء كافٍ للاستخدامات الصناعية الدقيقة، فيما لكن تتميز «السيليكا السورية» بنقاوة عالية تجعلها مؤهلة للاستخدام في صناعات بالغة الأهمية.
وتفتقر سوريا إلى تحديثات دورية وشاملة للتقديرات الرسمية لاحتياطاتها المعدنية بسبب الظروف الراهنة.
وفيما تشير تقديرات وتقارير جيولوجية حكومية صدرت قبل بدء الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد عام 2011، إلى احتياطات بمئات ملايين الأطنان من رمال «السيليكا»، ترجح مصادر غير رسمية، استناداً إلى دراسات استكشافية سابقة، وجود أكثر من مليار طن بدرجات نقاوة متفاوتة.
قدّر الخبير الاقتصادي الدكتور خالد التركاوي، في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس»، احتياطات رمال «السيليكا» في سوريا تناهز 500 مليون طن، ما يعتبر مخزوناً استراتيجياً كبيراً.
وأشار إلى وجود هذه الاحتياطات في مكامن «القريتين» بمحافظة حمص وسط البلاد، والتي تُصنّف رمالها كإحدى أفضل أنواع الرمال السيليسية من حيث النقاوة.
وتتركز الاحتياطات في عدة مناطق، أهمها:
تُعرف هذه المنطقة بوجود كميات كبيرة من رمال السيليكا عالية الجودة.
وجدت رواسب من السيليكا على طول الساحل السوري، ولكن قد تكون أقل نقاوة من مثيلاتها الداخلية.
وأضاف التركاوي أن معظم هذه الاحتياطات غير مستغلة بالشكل الأمثل أو بكميات تجارية كبيرة حتى الآن، وتتطلب عملية تقدير الاحتياطات بشكل دقيق مسوحات جيولوجية حديثة ومكثفة، وهو ما لم يحدث على نطاق واسع في السنوات الأخيرة.
تعد «السيليكا» عالية النقاوة، مادة خام أساسية لإنتاج:
وهي العمود الفقري لكل الأجهزة الإلكترونية الحديثة من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر والخوادم، كما تدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
يشير مصطلح «وادي السيليكون السوري» إلى رؤية مستقبلية تحول البلاد إلى مركز إقليمي لإنتاج السيليكون ومشتقاته، وصولاً إلى تصنيع أشباه الموصلات والألواح الشمسية.
وبحسب خبراء، فإن هذه الرؤية ليست بعيدة المنال نظراً لوفرة المواد الخام، ويمكن أن يتحقق ذلك عبر البدء باستخراج «السيليكا» بكميات تجارية ومعالجتها وتحويلها إلى سيليكون عالي النقاوة، ما يفتح الفرص لجذب الاستثمارات الأجنبية خاصة الدول والشركات المصنعة للرقائق الإلكترونية، عصب الذكاء الاصطناعي.
لطالما كانت العقوبات الأميركية، وبخاصة «قانون قيصر»، عائقاً كبيراً أمام أي استثمارات دولية في سوريا.
ومع انطلاق واشنطن بمسار رفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق، فإن العديد من القطاعات، لا سيما صناعة التكنولوجيا، على أبواب انتعاشة حقيقية، وفق الخبير الاقتصادي خالد التركاوي.
وقد تكون الإيرادات الناتجة عن استغلال «السيليكا» في سوريا هائلة:
سعر طن «السيليكا» الخام يتراوح بين 20 إلى 100 دولار حسب النقاوة والموقع.
وإذا افترضنا استخراج 10 ملايين طن سنوياً «وهو رقم متواضع مقارنة بالاحتياطات»، فإن الإيرادات الأولية يمكن أن تتراوح بين 200 مليون إلى مليار دولار سنوياً.
القيمة الاقتصادية ترتفع بشكل كبير عند تحويل «السيليكا» إلى سيليكون معدني، ثم إلى سيليكون عالي النقاوة المستخدم في صناعة الرقائق، فسعر طن السيليكون عالي النقاوة يمكن أن يصل إلى 1500 دولار.
وإذا تم إنشاء مصانع تحويل في سوريا، فإن الإيرادات قد تقفز إلى مليارات الدولارات سنوياً.
هذه هي الصناعة التي تحقق أعلى قيمة مضافة، فإنتاج الرقائق يتطلب استثمارات تريليونية، وإذا تمكنت سوريا من الوصول إلى هذا المستوى (وهو طموح بعيد المدى يتطلب عقوداً)، يمكن أن تتجاوز الإيرادات عشرات مليارات الدولارات سنوياً، محولةً سوريا إلى قوة اقتصادية كبرى في مجال التكنولوجيا.
ولكن هذه الأرقام تعتمد بشكل كبير على حجم الاستثمار، التكنولوجيا المستخدمة، وتطور الأسواق العالمية، وقبل كل شيء، استقرار الوضع السياسي والاقتصادي في سوريا.
رغم الإمكانات الواعدة، يواجه تحقيق هذا الحلم تحديات كبرى، منها:
إن امتلاك سوريا لاحتياطات ضخمة من «السيليكا» عالية الجودة يمثل فرصة اقتصادية استراتيجية يمكن أن تعيد رسم خريطة الاقتصاد السوري في المستقبل، ومع رفع العقوبات، يمكن أن يبدأ العد التنازلي لتحويل هذه الثروة الكامنة إلى واقع اقتصادي ملموس، ليصبح «وادي السيليكون السوري» ليس مجرد حلم، بل مشروعاً استراتيجياً يضع سوريا على خريطة الصناعات التكنولوجية العالمية.