أدى الانهيار السريع لنظام بشار الأسد إلى ترك سوريا في حالة من الفوضى الاقتصادية، مع مواجهة البلاد لتحديات ضخمة. فقد ألحقت سنوات من النزاع، إلى جانب سوء الإدارة الحكومية، والتدخلات الأجنبية والعقوبات المدمرة، ضرراً بالغاً بالاقتصاد، ما أدى إلى انتشار الفقر وفقدان الإنتاج الصناعي والزراعي بشكل حاد.
ومع سقوط نظام الأسد، تحول التركيز الفوري إلى إعادة بناء البنية التحتية المدمرة لسوريا، وإيجاد الفرص للتعافي الاقتصادي، ومعالجة أزمة اللاجئين التي نشأت نتيجة للنزاع.
كان اقتصاد سوريا قبل الحرب متنوعاً، بحيث أدت الزراعة والصناعة والسياحة أدواراً مركزية. لكن مع تفاقم النزاع، تعرضت هذه القطاعات لتدمير كبير، إذ انخفض الإنتاج الزراعي بنسبة تزيد على 50%، وتراجعت إنتاجية النفط بنسبة 90%، من 380,000 برميل يومياً في عام 2010 إلى 40,000 فقط اليوم. كما دُمِّر قطاع السياحة، الذي كان يمثل صناعة حيوية في البلاد.
وقد أدى ذلك إلى انكماش حاد في الاقتصاد، الذي كان يبلغ 68 مليار دولار، كما تسبب التضخم في تدهور كبير لقيمة الليرة السورية، التي أصبحت تساوي جزءاً ضئيلاً من قيمتها قبل الحرب.
وطوال سنوات النزاع، اعتمد «اقتصاد الحرب» في سوريا بشكل رئيسي على المساعدات الأجنبية والأسواق غير الرسمية والأنشطة غير القانونية مثل تجارة الكبتاغون، ما جعل أكثر من 90% من السكان يعيشون في فقر، وأكثر من نصفهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي.
ومع تقدير كلفة جهود إعادة الإعمار بنحو 250 مليار دولار، يبقى الطريق إلى التعافي شاقاً. ويصبح هذا التحدي أكثر وضوحاً عند النظر إلى حجم اعتماد سوريا على المساعدات الأجنبية، التي تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً، ما يعكس الدور الكبير للدعم الدولي في محاولة تعافي البلاد من آثار الحرب.
أدى انهيار نظام الأسد إلى فراغ في السلطة، ما ترك الحكومة السورية الجديدة، التي تتألف من تحالف هش بين المتمردين والتكنوقراط والفصائل الإسلامية، أمام مهمة ضخمة لإعادة بناء البلاد.
وبحسب تقرير لمجلة «ذي إيكونوميست»، فإن تدمير المحاور الصناعية الرئيسية، وفقدان إيرادات النفط، وآثار العقوبات العالمية المستمرة، تجعل عملية التعافي معقدة وغير مؤكدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود الجماعات المتطرفة والتدخلات الأجنبية المستمرة من قبل تركيا والولايات المتحدة وإيران تعقّد المشهد السياسي، ما يمنع إعادة الإعمار والاستقرار الحقيقيين.
ورغم هذه التحديات، أكد التقرير أن سقوط نظام الأسد يوفر فرصة فريدة لسوريا لبدء مسار جديد قد يؤدي إلى الابتعاد عن الحكم الاستبدادي نحو حكومة أكثر شمولاً. ومع ذلك، فإن التغلب على الانقسامات العميقة، بما في ذلك التوترات الطائفية ووجود القوى الأجنبية المتنافسة، سيكون حاسماً لاستقرار البلاد في المستقبل.
وسط هذه التحديات، كان لأزمة اللاجئين السوريين تأثير عميق على اقتصادات البلدان المجاورة، خاصة ألمانيا. فمع استمرار النزاع، انتقل ملايين السوريين من وطنهم، بحثاً عن ملاذ في دول أوروبا. وكانت ألمانيا من أبرز الدول التي استقبلت هؤلاء اللاجئين، ما كان له تأثير كبير على سياساتها الاجتماعية والاقتصادية.
وقد أعاد سقوط نظام الأسد إشعال النقاشات في ألمانيا حول العودة المحتملة للاجئين السوريين. ورغم أن المستقبل لا يزال غامضاً، فإن العديد من السوريين الذين استقروا هناك يؤدون دوراً أساسياً في سوق العمل، خصوصاً في قطاعات مثل التصنيع والرعاية الصحية والبناء.
ووفقاً لتقرير لمنصة «ديف ديسكورس» الإعلامية، يؤكد قادة الصناعة في ألمانيا أهمية العمال السوريين في معالجة نقص اليد العاملة، خاصة مع التزايد الكبير في عدد كبار السن وتقلص القوى العاملة. ورغم النقاشات السياسية المستمرة، فإن العديد من اللاجئين لا يفكرون في العودة بعد أن أسسوا جذوراً قوية في مجتمعاتهم الجديدة.
ومع اقتراب ألمانيا من الانتخابات، تبقى سياسات الهجرة ومستقبل وضع اللاجئين السوريين من القضايا الرئيسية. كما يتأثر النقاش بشأن عودتهم بالتطورات في سوريا، مع وجود احتمالات لتغيير السياسات المرتبطة بالاستقرار السياسي والاقتصادي المستقبلي للبلاد.
يعتمد تعافي الاقتصاد السوري على عدة عوامل: إعادة بناء البنية التحتية، واستعادة الخدمات العامة الأساسية، وإعادة إقامة اقتصاد يعمل بشكل سليم. سيتطلب الطريق إلى التعافي استثمارات كبيرة، واستقراراً سياسياً، وتعاوناً دولياً. ومع ذلك، تظل التحديات قائمة، خاصة مع استمرار تأثير العقوبات، والتشرذم السياسي، والتدخلات الخارجية.
ومن أجل تعافي سوريا، أشار تقرير صادر عن «مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية» إلى ضرورة بناء نظام اقتصادي مستدام يلبي احتياجات الشعب السوري، ويعزز عودة النازحين، ويدعم قطاعات حيوية مثل الزراعة والنفط.
كما يبقى الدعم الدولي بالغ الأهمية في مجالات مثل المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار. مع ذلك، لتحقيق النجاح على المدى الطويل، يجب أن يتماشى مستقبل سوريا السياسي مع أهدافها الاقتصادية.
تشير التقارير إلى أن مستقبل الاقتصاد السوري لا يزال غير واضح، نتيجة للواقع السياسي المعقد والدمار الذي خلفته الحرب، إذ تواجه البلاد تحديات كبيرة في بناء استقرار اقتصادي شامل يلبي احتياجات السكان. في المقابل، تؤكد هذه التقارير أن على المجتمع الدولي النظر في الآثار طويلة الأمد لدوره في دعم سوريا وتقديم المساعدة للاجئين السوريين، ما يتطلب تكاملاً بين الجهود المحلية والدعم الخارجي من أجل إعادة الإعمار والتعافي.