خاص
خاصمحصول الحبوب السورية

مع التضخم والحرب.. الجفاف يزيد متاعب الاقتصاد السوري

تضرب موجة جفاف ممتدة خلال السنوات الماضية عددا من البلدان العربية، خاصة في الجناح الآسيوي ودول شمال أفريقيا، بما يؤثر بشدة على اقتصاديات هذه الدول، خاصة سوريا التي تأثرت بتداعيات تغير المناخ، حيث أدى الجفاف إلى هجرة عشرات الآلاف من مناطقهم في شمال شرق البلاد، ويعيشون حاليا في ظروف حياتية صعبة، ويشكلون ضغوطا شديدة على الخدمات الأساسية في المدن التي نزحوا إليها والمزدحمة سكانياً.

وبحسب مركز كارنيغي للدراسات، عانت سوريا من ثلاث موجات جفاف منذ عام 1980، كان أشدها بين 2006 و2010، لكن في صيف عام 2021، شهدت سوريا مستويات قياسية منخفضة من هطول الأمطار، وتراجعا حادا في تدفق المياه إلى نهر الفرات، انعكس ذلك على تربية الماشية، إذ لم يكن هناك أي نمو في الغطاء النباتي في ربيع وصيف 2021، ما يعني أن مئات الآلاف من الأغنام والأبقار والماعز والإبل تفتقر إلى المراعي والوصول إلى مصادر المياه.

ووصلت الأمطار، المصدر الرئيسي للمياه المتجددة في سوريا، في الفترة من أكتوبر 2021 إلى مايو 2022 إلى مستويات أقل من 75% إلى 95% عن المتوسطات التاريخية، وبالتالي تراجعت المساحات المزروعة.

كفاح المجتمعات الرعوية

وتشير دراسة أصدرتها منظمة باكس للسلام الهولندية، إلى أن المجتمعات الرعوية في سوريا تكافح بشكل متزايد، مع تأثير الجفاف وانخفاض أسعار الماشية، والظروف الجوية المتقلبة التي تؤثر على أسعارها، ما يدفع هذه المجتمعات إلى حافة الفقر.

وتعني موجات الجفاف انتهاء الرعي الطبيعي، ما يحرم الماشية من الفيتامينات والمناعة المكتسبة، ويجعلها معرضة للإصابة بمختلف أنواع الحمى مثل المالطية والقلاعية والزائلة، بالإضافة إلى إصابتها بنقص الأملاح والديدان الكبدية ومرض دودة الرأس والجرب وداء الباستوريلات.

ومما زاد الأمر تعقيدا، هجرة المزارعين لأراضيهم بعد العجز عن شراء البذور وتأمين الري، وتدهور الواقع الاقتصادي نتيجة الانخفاض الهائل في قيمة العملة المحلية، وانكماش الدخل والقوة الشرائية للمواطنين.

وأكثر من ثلث مساحة سوريا صالح للزراعة، أي ما يقارب 6.5 مليون هكتار تزرع بالمحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها، من الحبوب والقطن إلى الخضراوات، ومختلف أنواع الفاكهة، وصولاً إلى الزيتون والفستق الحلبي وغيره، ويعمل في الزراعة أكثر من 20% من السوريين.

في هذا الصدد، يقول الأكاديمي والباحث الاقتصادي، الدكتور فراس شعبو، إن الجفاف مسألة خارجة عن إرادة أي دولة، والمنطقة كلها تقريبا تعاني منه حاليا، سواء سوريا أو الأردن أو العراق أو لبنان وتونس ومصر.

وأضاف شعبو، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن المنطقة تعاني من الجفاف بسبب التغيرات المناخية، لكن المشكلة والتأثير الأكبر على الدول الضعيفة بالأساس، لافتا إلى أن سوريا كانت تتمتع بالاكتفاء الذاتي وأمنها الغذائي مرتفع، إلا أنه بسبب الحرب والأحداث السياسية التي ضربتها خلال السنوات الماضية تراجع الإنتاج والمحاصيل الزراعية تأثرت.

الجفاف مسألة خارجة عن إرادة أي دولة.
فراس شعبو - أكاديمي وباحث اقتصادي
تدهور البنية التحتية

وتابع الباحث الاقتصادي: "البنية التحتية الأساسية التي كانت تساهم في دعم القطاع الزراعي توقفت بشكل أو بآخر، كما أدى حرق المحاصيل بسبب العمليات العسكرية إلى خروج جزء كبير من الأراضي الزراعية من الخدمة، وتقلصت المساحات الزراعية، فضلا عن أن موجة الهجرة الكبيرة التي بدأت منذ 10 سنوات بسبب الأوضاع الاقتصادية، ساهمت في هجرة الفلاحين والشباب للأراضي، كون الزراعة لم تعد قادرة على تأمين حد الكفاف للمزارعين، خاصة مع تدهور قيمة العملة".

وأوضح شعبو أن كل هذه العوامل المشتركة جاء معها الجفاف، ليساهم في زيادة الأعباء، والتسبب في مشاكل اقتصادية للمواطن والحكومة، حيث أصبحت الحكومة عاجزة عن تأمين الحد الأدنى لاحتياجات المواطن، وبالتالي لجأت الدولة إلى الاستيراد الذي يكلف الخزانة العامة أموالا طائلة بسبب انخفاض قيمة العملة السورية، إضافة إلى أنه لم يعد هناك قوى شرائية كبيرة في الداخل، بسبب متوسط الرواتب الذي يتراوح بين 25 إلى 30 دولارا.

وكشفت البيانات الإحصائية السورية، عن تراجع الواردات السورية منذ عام 2011 حتى عام 2022 بنسبة 78.11%، حيث بلغت في عام 2011 نحو 19.871 مليار دولار، وفي 2022 وصلت إلى نحو 3.822 مليار دولار.

كما انخفضت قيمة الصادرات السورية من 12.238 مليار دولار في 2010، إلى 696 مليون دولار في 2022، ما يشير إلى أن حجم الصادرات تراجع بنسبة 94.3%.

ولفت الأكاديمي والباحث الاقتصادي إلى أنه كانت هناك تقارير صادرة في 2016 تشير إلى أن سوريا قد تتعرض إلى مجاعة مثل الصومال بسبب الحرب، لكن التغيرات المناخية والجفاف هما من يسرعان من هذه الاحتمالات الآن وليس الحرب، موضحا أن الجفاف سيؤثر على انخفاض الناتج المحلي السوري بشكل كبير، ومن الممكن أن تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا.

زيادة الأعباء

وفيما يتعلق بتأثير الجفاف على المواطن السوري، أكد شعبو أن الجفاف أثر بشدة، بسبب زيادة التكاليف والأعباء التي يتحملها، خاصة العاملين في القطاع الزراعي، لأن عمليات الري أصبحت مكلفة جدا، نتيجة عدم توافر المحروقات والدعم الزراعي باستمرار، فضلا عن تأثير ذلك على هجرة المواطن للأراضي الزراعية نفسها بسبب ارتفاع التكلفة، وتعرض بعض المحاصيل إلى التلف نتيجة عدم الاهتمام بها أثناء الزراعة، فتصبح غير صالحة للاستخدام الآدمي.

وأوضح أن ذلك ينعكس على الاقتصاد السوري والمواطن في النهاية، لأن الدولة ما زالت تعتمد على القطاع الزراعي بشكل أكبر من القطاعات الأخرى التي تدمرت بسبب الحرب، ولازالت الزراعة متماسكة بعض الشيء، وإذا زادت خسائرها ستكون هناك خسائر مضاعفة للاقتصاد السوري.

ووفقا لتقرير للبنك الدولي، فإنه في ظل درجة عالية من عدم اليقين، من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي السوري بنسبة 3.2% في 2023، بعد انخفاضه بنسبة 3.5% في 2022.

ومن المتوقع أن يؤدي النزاع وارتفاع تكاليف المدخلات وشح المياه إلى الحد من إنتاج المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي نقص الوقود إلى إضعاف التصنيع وتعطيل النقل والخدمات.

ويمكن أن تؤثر الصدمات المناخية المتكررة بشدة على المحاصيل وسبل العيش الزراعية، وذلك بحسب البنك الدولي، الذي أوضح كذلك أن استمرار الحرب على أوكرانيا لفترة طويلة سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يؤثر سلباً على وضع سوريا كبلد مستورد للغذاء والطاقة.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com