خالد التركاوي: الزراعة والطاقة والبناء أبرز القطاعات الجاهزة للاستثمار
التركاوي: رفع العقوبات ينعش التجارة ويحسّن الميزان التجاري والصادرات
يصف مستشار وزير الاقتصاد السوري، أسامة القاضي، خطوة توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار رفع العقوبات وإعلان الخزانة الأميركية بدء تنفيذ الأمر الرئاسي بأنها «خطوة تاريخية إضافية تهدف إلى منح الشعب السوري فرصة لبداية جديدة، ما يسمح لسوريا بالمشاركة في التجارة العالمية واستقبال المزيد من الاستثمارات للمساهمة في نهوض الاقتصاد السوري».
هذا التحول المفصلي يفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي توقفت بشكل شبه كامل منذ 2012، إذ سجلت سوريا خلال العقد الأخير أدنى معدلات الاستثمار في المنطقة، مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60% وانخفاض قيمة الليرة بنسبة تجاوزت 90%، بحسب تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD).
بحسب تحليل خالد التركاوي، المستشار والخبير الاقتصادي لموقع "إرم بزنس"، يبرز القطاع الزراعي في مقدمة القطاعات الأكثر جاهزية للاستثمار، نظراً لحاجة هذا القطاع إلى إعادة تأهيل شامل وتكنولوجيا حديثة قادرة على رفع الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات، ويشير التركاوي إلى أن عودة الاستثمارات ستتيح تحديث سلاسل الإمداد والتوضيب، وإعادة إحياء الصادرات الزراعية نحو أسواق الخليج وأوروبا، ما قد ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري الذي يمكن أن يشهد تحسناً ملحوظاً في حال ارتفعت الصادرات الزراعية والصناعية بشكل منظم.
أما قطاع الطاقة والنفط، فيعد أحد الأعمدة الرئيسة في هيكلية الاقتصاد السوري، إذ يمكن لعودة الإنتاج والتصدير أن توفر موارد مالية كبيرة، وتخلق فرصاً مباشرة للاستثمارات في عمليات التكرير والتوزيع والبنية التحتية للطاقة، ويربط التركاوي ذلك بإمكانية عودة سوريا إلى نظام «سويفت» المالي العالمي، ما يسهل المعاملات ويشجع شركات الطاقة العالمية على إعادة النظر في السوق السورية.
في موازاة ذلك، يُعد قطاع التشييد والبناء من أكبر القطاعات الواعدة، خاصة في سياق إعادة الإعمار، إذ تشير تقديرات «الإسكوا» إلى حاجة سوريا إلى ما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار لإعادة بناء المساكن، والبنى التحتية العامة، ومحطات الكهرباء والمياه، ويرى التركاوي أن هذا الحجم الضخم يعكس فرصاً هائلة للشركات الأجنبية والعربية والتركية للمشاركة في مشاريع البناء، وإعادة إحياء المدن والمناطق المتضررة، ما يساهم في خلق آلاف الوظائف وتعزيز الاقتصاد المحلي.
قطاع المصارف والتمويل، بحسب التركاوي، سيشهد إعادة دمج تدريجية في النظام المالي العالمي، ما يسمح بإعادة هيكلة النظام المصرفي، وجذب رؤوس أموال خارجية، وتحفيز عمليات الإقراض والتمويل التجاري، كما يُنتظر أن يساهم هذا الانفتاح في دعم عمليات التحويلات المالية للسوريين في الخارج، والتي تمثل شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني.
ولا تقتصر الفرص على القطاعات التقليدية، إذ يشير التركاوي إلى وجود فرص واسعة في قطاعات السياحة، والتعليم، والطب، والتجارة، خصوصاً مع تحسن الظروف الأمنية والسياسية، وعودة علاقات سوريا مع دول الجوار والمنطقة.
على صعيد التجارة الخارجية، يتوقع التركاوي تحسناً نسبياً في حركة التبادل التجاري، مع انتعاش محتمل في الصادرات والواردات، نتيجة إزالة القيود وتيسير التعاملات المالية عبر النظام المصرفي العالمي/ ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحسين أرقام الميزان التجاري، خاصة مع تزايد الطلب الخارجي على المنتجات السورية الزراعية والغذائية.
لكن، ورغم هذه التوقعات الإيجابية، يلفت التركاوي إلى جملة من المخاطر، في مقدمتها البنية التحتية المدمرة، خاصة في قطاع الكهرباء، ما قد يعوق سرعة التنفيذ ويزيد التكاليف التشغيلية، كما تشكل البيئة القانونية الضعيفة تحدياً كبيراً أمام ضمان حقوق المستثمرين، في ظل حاجة ملحة لإصلاحات تشريعية وإدارية حقيقية، ويضاف إلى ذلك غياب التمويل الدولي الكافي حتى الآن، ما يضع عبئاً إضافياً على الحكومة الجديدة لتأمين شراكات مالية واستثمارات مباشرة تغطي متطلبات إعادة الإعمار والتنمية.
وفيما يخص قطاع التشييد والبناء، يوضح التركاوي أن حجم المشاريع المحتملة لا يقتصر على إعادة بناء ما دمرته الحرب، بل يشمل أيضاً تطوير مشاريع عمرانية جديدة، وإنشاء مدن صناعية وتجارية، ما يعزز جاذبية السوق السورية ويحولها إلى وجهة استثمارية محورية في المنطقة.
في المحصلة، يمثل رفع العقوبات خطوة أساسية باتجاه إعادة دمج سوريا في الاقتصاد الإقليمي والدولي، وفتح الباب أمام رؤوس أموال طال انتظارها، غير أن تحويل هذه الخطوة إلى واقع ملموس يتطلب إصلاحات جذرية في البيئة القانونية، وضمان استقرار سياسي وأمني طويل الأمد، وتوفير شراكات دولية داعمة.
وبحسب تقرير حديث لمجموعة أكسفورد إيكونوميكس، فإن العقوبات الأميركية وقانون قيصر تحديداً، شكّلا أكبر عائق أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سوريا، وقد أدت هذه القيود إلى تجميد معظم المشروعات، وتراجع قيمة العملة المحلية بأكثر من 90%، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60% منذ عام 2011.