يشهد قطاعا الضيافة والسفر في دول الخليج تحولاً لافتاً بفعل الذكاء الاصطناعي، الذي يسهم في تبسيط العمليات التشغيلية، وتعزيز برامج تدريب الموظفين، وتطوير أساليب استقطاب العملاء، في إطار توجه متنامٍ نحو اعتماد التكنولوجيا المتقدمة في مختلف مراحل تقديم الخدمات.
في دبي، يترقب عشاق الطهي افتتاح مطعم «ووهو» (Woohoo) في سبتمبر المقبل، بعد أن أثار مطلع هذا العام اهتماماً عالمياً بإعلانه عن تعيين «الشيف إيه آي مان» (AIman)، وهو نموذج لغوي ضخم متخصص في الطهي، لتصميم كل شيء من قائمة الطعام وصولاً إلى المكان وتجربة الزوار، وفق ما أورد موقع AGBI.
بعيداً عن هذه التجربة البارزة، تتبنى شركات كبرى مثل «الاتحاد للطيران» (Etihad Airways) و«أكور هوتيلز» (Accor Hotels) أدوات الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية واستراتيجياتها طويلة المدى، لمواكبة السوق الذي يتجه بسرعة نحو الاعتماد على هذه التقنية.
وتوقع الشريك الأول في قطاع لوجستيات السفر لدى شركة «ماكينزي آند كومباني» (McKinsey & Company)، أليكس كوسموس، أن يُضيف الذكاء الاصطناعي ما بين تريليوني وأربعة تريليونات دولار من القيمة الإضافية إلى صناعة السفر العالمية البالغة قيمتها 10 تريليونات دولار.
يتسارع هذا التحول بفعل تغيرات في سلوك المسافرين، حيث تشير التحليلات إلى أن 45% من مسافري «جيل زد»، المولودين بين 1997 و2012، يستخدمون بالفعل الذكاء الاصطناعي أو يخططون لاستخدامه لحجز الرحلات وتنظيم عطلاتهم. وتنخفض النسبة إلى 22% بين مسافري «جيل الألفية»(1981–1996)، و10% بين مسافري «جيل إكس» (1965–1980).
وقال رئيس قسم تحسين محركات البحث والذكاء الاصطناعي في «إس إي أو شيربا» (SEO Sherpa)، توفيق ميرت عزيز أوغلو، لموقع AGBI: «بدلاً من البدء بالبحث عبر (غوغل)، يلجأ كثيرون اليوم إلى روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل (تشات جي بي تي) أو(جيميني)، للحصول على مقترحات لخطط السفر».
وأضاف أن هذا التحول أجبر شركات الضيافة على إعادة التفكير في استراتيجياتها الرقمية، وعدم الاكتفاء بتحسين ظهورها على «غوغل»، بل أيضاً تهيئة محتواها لتتناسب مع استعلامات البحث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
ومن بين الأمثلة، أعادت مجموعة «كيرتن هوسبيتاليتي» (Kerten Hospitality)، التي تدير فنادق في السعودية وتركيا والأردن والكويت، هيكلة بنية مواقعها الإلكترونية والبيانات الوصفية والمحتوى لضمان سهولة فهرستها من قبل أدوات الذكاء الاصطناعي.
وقالت المديرة التشغيلية للمجموعة مينا أنزياني: «بدلاً من الاكتفاء بالأوصاف التقليدية للفنادق، نقوم بصياغة المحتوى بأسلوب يركز على استفسارات المسافرين، مثل: «أين يمكن الإقامة في العلا لعطلة نهاية أسبوع لمراقبة النجوم؟»، بما يتماشى مع طريقة توليد التوصيات لدى أنظمة الذكاء الاصطناعي».
كما أدخلت المجموعة أدوات بيع إضافية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتفاعل مع سلوك الضيف في الوقت الفعلي، ما دفع إلى تعيين موظفين كبار مختصين في إدارة الأدوات الرقمية.
وتسير شركات أخرى في الاتجاه نفسه، إذ قال المدير العام الإقليمى لشركة «فودكس» (Foodics) في مصر والإمارات، بلال زهران: «تكييف استراتيجيات تحسين محركات البحث لدينا لتواكب البحث المعتمد على الذكاء الاصطناعي أمر نعمل عليه بجدية».
يتجاوز دور الذكاء الاصطناعي التسويق ليصل إلى تدريب الموظفين وإدارة الموارد البشرية. إذ تستخدم «الاتحاد للطيران» ومجموعات فنادق مثل «أكور» و«أنانتارا» (Anantara) أدوات تدريب قائمة على الذكاء الاصطناعي طورتها شركة «أتيوم» (Atiom) لتحسين أداء العاملين وزيادة تفاعلهم.
وتعتمد هذه الأدوات على روبوتات محادثة مبنية على نماذج «أوبن إيه آي» (OpenAI)، لمحاكاة تفاعلات مع عملاء صعبي المراس أو لتعليم الموظفين معايير العلامة التجارية، ما يتيح تدريباً مستمراً وتفاعلياً.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أتيوم» مات سبريغل: «القدرة على تقديم هذه الأنشطة على نطاق واسع يومياً للموظفين تعد إنجازاً كبيراً».
وأضاف أن هذه التقنيات تُستخدم لدى «الاتحاد للطيران» لتدريب أطقم الضيافة الجوية، مع التركيز على تعزيز السلوكيات المهنية ورفع مستوى جودة الخدمة. وتمكّن الأنظمة الموظفين من إتمام التدريب عبر أجهزتهم الشخصية، دون الحاجة للاعتماد على أيام تدريبية مخصصة.
وأشار سبريغل إلى أن مزايا هذه الحلول تكمن في «النطاق، والاتساق، وتكييف المحتوى محلياً، والوقت»، وهي عناصر يمكن للذكاء الاصطناعي توفيرها بكفاءة أكبر من الطرق التقليدية.