تشهد حركة السفر من الصين إلى منطقة الخليج انتعاشاً ملحوظاً، مع تجاوز السعة المقعدية على الرحلات الجوية المباشرة مستويات ما قبل الجائحة، في ظل تغيّر لافت في أنماط السفر، وذلك وفقاً لبيانات جديدة صادرة عن شركة «فوروارد كيز» (ForwardKeys) المتخصصة في تحليلات قطاع الطيران.
وفي تقرير نقله موقع AGBI، ارتفعت الطاقة الاستيعابية على الرحلات التجارية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الست في النصف الأول من عام 2025 بنسبة 20% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، كما سجلت زيادة بنسبة 5% مقارنة بالنصف الأول من عام 2024.
وقال مدير قسم المعلومات والتسويق في «فوروارد كيز»، أوليفييه بونتي، إن «أحد المحركات الأساسية لهذا النمو هو المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى مسارات جديدة دشنتها شركات «تشاينا إيسترن إيرلاينز» (China Eastern Airlines)، و«إير تشاينا» (Air China)، و«تشاينا ساذرن إيرلاينز» (China Southern Airlines)، و«هاينان إيرلاينز» (Hainan Airlines) نحو المملكة.
وتوقّع بونتي أن ترتفع السعة المقعدية إلى دول الخليج بنسبة إضافية تبلغ 16% خلال النصف الثاني من العام، في ظل التوسع المستمر في الربط الجوي بين الصين والمنطقة.
ورغم أن الإمارات لا تزال الوجهة المباشرة الأكثر جذباً للمسافرين الصينيين، حيث تحتفظ بأكبر حصة من الرحلات المباشرة، فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعاً في الحصص لصالح أسواق خليجية أخرى بدأت تكتسب مزيداً من الزخم. وبينما بلغت حصة الإمارات 56% من إجمالي المقاعد المباشرة في عام 2025، ارتفعت حصة قطر إلى 29%، فيما وصلت حصة السعودية إلى 11%، في مكسب مهم لسوق بدأت مؤخراً فقط في التوسع لجذب السياح ورجال الأعمال الصينيين.
فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، حدّدت هدفاً طموحاً يتمثل في جذب 5 ملايين سائح صيني سنوياً بحلول عام 2030، ارتفاعاً من نحو 140 ألفاً زاروا البلاد في عام 2024.
وتُعدّ إصلاحات التأشيرات عنصراً حاسماً في هذا التوجه، إذ أتاحت السعودية تأشيرات إلكترونية وإمكانية دخول من دون تأشيرة للمواطنين الصينيين، فيما اتخذت دول خليجية أخرى خطوات مشابهة. كما أسهمت الحملات الترويجية الموجهة، والمبادرات الخاصة مثل «تشاينا ريدي» (China Ready) في سلطنة عمان، و«هلا تشاينا» (Hala China) في دبي، في تعزيز الزخم السياحي.
وتدعم بيانات القطاع الخاص هذا الاتجاه المتصاعد. إذ أفادت المديرة التنفيذية لشركة «بي إن بي مي» (bnbme) المتخصصة في تأجير الوحدات السياحية، شيلبا ماهتاني، أن حجوزات الضيوف الصينيين في الإمارات ارتفعت من نحو 1% في يوليو 2024 إلى 5% في يوليو 2025.
وأضافت: «يمثل هذا أعلى نسبة شهرية خلال العام الماضي، ما يشير إلى تنامي الاهتمام أو عودة الثقة في السفر إلى المنطقة».
وتعكس هذه الزيادة تعافياً أوسع في الطبقة الوسطى الصينية، التي تُعد تقليدياً الفئة الأساسية في السياحة الخارجية. ويأتي هذا التعافي على الرغم من استمرار ضعف اليوان مقابل الدولار، الذي ترتبط به معظم العملات الخليجية، وهو ما قد يجعل السفر إلى الخليج مكلفاً نسبياً، وفقاً للتقرير.
ويرى خبراء أن هذا التحوّل يعكس تغيراً في تفضيلات المسافرين الصينيين، حيث أشار الأستاذ المشارك في «جامعة هيريوت وات دبي» (Heriot-Watt University Dubai)، شون لوكري، إلى أن «السياح الصينيين يتحولون بشكل متزايد من السفر القائم على التسوق إلى الرحلات التي تركز على التجربة، مع إعطاء الأولوية للانغماس الثقافي والترفيه والتفاعل ذي المعنى».
ولا تزال منطقة الخليج تُعد سوقاً مربحة للسياحة الصينية، إذ أكد رئيس قسم الاستشارات الفندقية والسياحية في شركة «كوليرز» (Colliers) بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نيكولا نصرى، أن متوسط إنفاق السائح الصيني يتجاوز 1000 دولار لليلة الواحدة، ما يجعلهم شريحة جذابة للغاية لشركات السياحة والضيافة في المنطقة.