تتخطى الآثار الاقتصادية للنزاع الإيراني الإسرائيلي الذي اندلع يوم الجمعة الماضي، الطاقة والتجارة، لتمتد إلى أحد القطاعات التي تصدرت فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عالمياً التعافي بعد جائحة كوفيد-19، والذي بات رافداً اقتصادياً مهماً للعديد من دولها، ألا وهو السياحة.
بعدما كانت تأمل في موسم صيف حافل، تواجه الوجهات السياحية الرئيسة في المنطقة الآن حالة من عدم اليقين، فقد أفادت بعض وكالات السفر بانخفاض حاد في الحجوزات إلى الشرق الأوسط، مع شروع السياح في تجنب المناطق المتضررة والمنكشفة على النزاع، بسبب عدم الاستقرار الأوسع في المنطقة.
في ظل هذه التوترات المتصاعدة، أصبح قطاع السياحة الذي يعد ركيزة اقتصادية حيوية للعديد من دول الشرق الأوسط، حتى النفطية منها، عرضة لمخاطر كبيرة خلال الموسم الحالي، قد تمتد إذا طال أمد النزاع.
هذا التطور يخيم على توقعات متفائلة للمجلس العالمي للسفر والسياحة، بأن يُسهم القطاع بـ367 مليار دولار في اقتصادات الشرق الأوسط هذا العام، أي ما يعادل 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. وهي زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة، تبرز الدور المحوري المتزايد لقطاع السياحة في النمو الاقتصادي لدول المنطقة.
وفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، من المتوقع أن يُوفر القطاع في الشرق الأوسط 400 ألف وظيفة إضافية هذا العام، ليصل إجمالي وظائف القطاع إلى 7.7 مليون وظيفة، وهو ما يشكل ارتفاعاً بـ16.8% مقارنة بعام 2019، أي ما قبل جائحة كوفيد-19.
توقعات سابقة أيضاً لـ«ستاتيستا ماركتس إنسايتس» (Statista Markets Insights)، أشارت إلى نمو بمعدل سنوي قدره 6% لقطاع السياحة في المنطقة بأكملها حتى عام 2029؛ وذلك استكمالاً لمسار الصعود خلال العام الماضي، الذي استقبل فيه الشرق الأوسط ما يفوق 100 مليون زائر دولي، بنمو يتجاوز 8% مقارنة بالعام الذي سبق، و41% مقارنة بما قبل الجائحة، بحسب ما تظهره بيانات منظمة السياحة العالمية.
الهجوم الصاروخي غير المسبوق الذي شنته إيران على إسرائيل، رداً على الضربات الإسرائيلية لمنشآتها النووية، تسبب في اضطرابات واسعة النطاق في حركة النقل الجوي. وقد أدى هذا التصعيد إلى إغلاق المجال الجوي فوق دول عديدة في المنطقة الواسعة، وإلغاء أو تحويل مسار عشرات الرحلات الجوية الدولية؛ ما زاد مدة الرحلات والتكاليف، وعقّد عملية التخطيط.
تُصاحب المسارات الجوية الطويلة تكاليف وقود إضافية؛ ما ينعكس ارتفاعاً في أسعار تذاكر الطيران، خاصة مع القفزة الكبيرة في أسعار النفط التي شكلت أول رد فعل مباشر في السوق العالمية، والتي سجلت في الـ13 من يونيو أكبر ارتفاع يومي منذ عام 2022. هذا الأمر يُشكل معضلة للقطاع تحد من قدرته على إدارة التقلبات، خاصة مع اقتراب موسم السفر الصيفي.
ولم يقتصر تأثير الصراع في إلغاء الرحلات وتعديلها فحسب، بل أدى أيضاً إلى تداعيات قد تكون طويلة المدى على قطاعي الطيران والسياحة، وسط توقعات بأن تؤثر هذه التغيرات بشدة في الطلب على السفر. فمن المتوقع أن تؤدي المخاوف المتعلقة بالسلامة وارتفاع أسعار الوقود إلى زايدة الضغط على قطاع السياحة، خاصة مع تفضيل المسافرين وجهات أكثر استقراراً.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم اليقين الاقتصادي الناجم عن النزاع وارتفاع أسعار النفط إلى انخفاض في الدخل المتاح للعديد من المسافرين. ومع ارتفاع تكاليف السفر، يتقلص عدد الأشخاص الراغبين في دفع أسعار أعلى للرحلات الطويلة، خاصة مع وجود مخاطر أمنية. هذا التغير في سلوك المستهلك - في حال طال النزاع - من المتوقع أن يخلف تأثيراً طويل الأمد على السياحة الإقليمية والعالمية.
في السنوات الأخيرة، ضخت كل من مصر والمغرب والأردن والسعودية والإمارات، استثمارات ضخمة لإنعاش السياحة وسط رهان كبير على القطاع. أما لبنان وسوريا، اللذان قَطَعا شوْطاً نحو الاستقرار السياسي والأمني، فقد وضعا آمالاً أكبر على الموسم الحالي لإعادة العجلة إلى اقتصاديهما المتعطشين للإيرادات والنقد الأجنبي.
لكن البعد الجغرافي بين إسرائيل وإيران، يضع المنطقة بأكملها الآن تحت تأثير النزاع القائم؛ فاحتمالات توسع رقعة الصراع كانت كافية لإلغاء الرحلات، وتثبيط الحجوزات المستقبلية، ودفعت حكومات العديد من الدول إلى إصدار تحذيرات السفر إلى المنطقة.
وإن تفاقم التصعيد، قد تنهار عائدات السياحة في الشرق الأوسط، وفق تقديرات متشائمة لمنصة «ترافل أند تور وورلد» (Travel ِAnd Tour World) المتخصصة في القطاع السياحي.