إرم الاقتصادية – مع انتهاء عام 2022، تعرض الاقتصاد العالمي لضربات وصفت بالقوية، ووجهت له على مدار 12 شهرا بداية من الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير الماضي، ونهاية بمعدلات التضخم التي أرهقت كاهل اقتصاديات عظمى في العالم.
وتوقع عدد من الخبراء في بدايات عام 2022 عاما اقتصاديا جيدا، فالتضخم بدأت ملامحه في البروز في بداية العام 2022، وحينها كان اهتمام كبار المسؤولين في البنوك المركزية حول العالم خاصة الفيدرالي الأميركي باهتا، وسط توقعات بأن يكون الانتعاش الاقتصادي في أوروبا أقوى منه في الولايات المتحدة، والنمو الاقتصادي في الصين سيكون قويا، وفق صحيفة الاقتصادية.
الركود الاقتصادي
وبين قلق المستثمرين، وملامح الركود الاقتصادي، وأزمة طاقة عالمية، والدولار القوي، وسياسات التشديد المالي من قبل البنوك المركزية، وتراجع مستويات المعيشة في عديد من الدول خاصة في أوروبا، وتصدع سوق الإسكان في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، باتت ملامح الاقتصاد الدولي مضطربة، وهيمن عليها عدم الثقة، خاصة مع تقليص صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي هذا العام.
فبعد معدل نمو بلغ 6% في 2021 يتوقع صندوق النقد الدولي ألا تتجاوز نسبة النمو 3.2% في 2022، نتيجة تباطؤ كبير في أكبر اقتصادات العالم، ليكون أضعف معدل نمو منذ 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية الحادة ومرحلة جائحة كورونا.
معدلات التضخم
وترى أستاذة الاقتصاد الدولي والاستشارية في عدد من المنظمات الدولية الدكتورة دورثي بنجامين، أن ارتفاع الأسعار وتداعياته الواضحة على مستوى المعيشة يعدان القضية الأكثر إثارة للجدل على المستوى العالمي في عام 2022.
وقالت بنجامين: إنه على الرغم من تراجع معدلات التضخم في الفترة الأخيرة من العام، إلا أن آثارها ومضاعفاتها كانت واضحة طوال العام وستمتد إلى العام المقبل، فمن المرجح أن يبلغ معدل التضخم الدولي في عام 2022 ما لا يقل عن 8.8%، ويلاحظ أن نسب التضخم بلغت مستويات غير مسبوقة منذ عقود في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومستويات قياسية في عديد من الدول النامية هذا العام".
وتضيف "لمواجهة هذا الوضع الضاغط على مستويات المعيشة اندفعت البنوك المركزية الكبرى لرفع معدلات الفائدة، لكن يلاحظ أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أبطأت خلال الأسابيع الأخيرة وقبل نهاية العام من وتيرة رفع أسعار الفائدة، مع هذا يتوقع صناع السياسة في البنوك المركزية إبقاء مستويات الفائدة مرتفعة لفترة طويلة".
الخبير الاقتصادي لوجن ايثن يربط بين الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مر بها كثير من الاقتصادات النامية وتباطؤ النمو الاقتصادي هذا العام أو الانكماش في كثير من الاقتصادات المتقدمة من جانب، وسياسات البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة في إطار المعركة ضد التضخم من جانب آخر.
وأكد ايثن أن تشديد السياسات النقدية عبر رفع أسعار الفائدة أدى إلى انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة وأوروبا، أما في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن التوقعات غير مؤكدة إلى حد كبير حيث تواجه البلاد زيادة في حالات الإصابة بوباء كورونا.
وقال ايثن إن عديد من الدول النامية ما زالت متخلفة عن الركب وتواجه مخاطر اقتصادية إضافية نتيجة السياسات التي تتبناها الاقتصادات المتقدمة لمعالجة التضخم، كما أن التباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى لا يترك رؤوس أموال كافية للدول الفقيرة".
العملات المشفرة
بينما يرى المحلل المالي في بنك إنجلترا روبين إسحاق، أن إحدى أكثر القضايا الاقتصادية مدعاة للقلق هذا العام كانت انخفاض القيمة السوقية لأصول العملات المشفرة.
وأوضح اسحاق أنه على مدار العام الماضي انهارت القيمة السوقية لأصول العملات المشفرة من 3 تريليونات دولار إلى نحو 850 مليار دولار فقط، حيث انخفضت عملة البيتكوين وهي العملة الأكثر شهرة وانتشارا من 68 ألف دولار إلى 17700 دولار، وغرقت بورصة العملات المشفرة FTX من 32 مليار دولار إلى الإفلاس في غضون أسبوع، وكشفت هذه الخسائر واضطراب السوق عن تقلب الأصول المشفرة والحاجة الملحة إلى حماية المستهلك".
ويعتقد إسحاق أن الأصول المشفرة قد لا تستعيد قيمتها بالكامل، وأن هناك حاجة ماسة إلى تنظيم السوق عبر تدابير مشددة للتعامل مع عدم الاستقرار المالي ونقص حماية المستهلك.
قضية العملات الرقمية تبدو من وجهة نظر المالية العامة في جامعة لندن الدكتور ماكس ثيدور، قضية ذات ثقل اقتصادي كبير على الاقتصاد العالمي هذا العام، وربما في الأعوام المقبلة، لكن من زاوية أخرى.
وقال إسحاق إن 60 دولة على مستوى العالم وصلت إلى مرحلة متقدمة من تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية، وبدء من نوفمبر الماضي باتت الولايات المتحدة واحدة منها، و18 دولة من دول مجموعة العشرين لديها عملات رقيمة للبنك المركزي قيد التطوير أو تتم تجربتها أو تم إطلاقها بالكامل، وتختلف الدوافع على الصعيد العالمي بهذا الشأن، لكن بصفة عامة فإن توجهات البنوك المركزية بشأن العملة الرقمية تحكمها فكرة تحسين الشمول المالي".
وأضاف: "الصعوبات اللوجستية في إرسال شيكات التحفيز المالي خلال فترة جائحة كوفيد، وعدم الكفاءة في أنظمة الدفع في عديد من الدول، أقنعا البنوك المركزية بأن تسخير التكنولوجيا والاعتماد على العملات الرقمية قد يساعدان على تطوير أنظمة دفع أسرع وأرخص، وربما يدخل عام 2022 التاريخ بوصفه العام الذي وضعت فيه البنوك المركزية العملات الرقمية موضع التطبيق الفعلي".
أشباه الموصلات
ويرى أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة جلاسكو، هنتر توبي، أن قضية أشباه الموصلات والصراع الدولي المرتبط بها، تعد قضية مركزية في الاقتصاد العالمي هذا العام، وأن هذا الملف ترك تأثيرا تجاوز الشأن الاقتصادي العالمي إلى الصراع الجيو-استراتيجي بين الولايات المتحدة والصين.
وقال توبي: "أشباه الموصلات جزء أساسي من الحياة اليومية لعالمنا المعاصر، لكن سوق أشباه الموصلات تشتهر بأنها دورية، حيث يزداد العرض أحيانا ويتراجع أحيانا أخرى، وقد ظهر نقص في السوق منذ بداية العام الجاري نتيجة زيادة الطلب على المنتجات التي تحتوي على الرقائق الإلكترونية، واضطرابات الإنتاج الناجمة عن وباء كورونا، إضافة إلى مشكلات سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية".
وأضاف توبي: "النقص في أشباه الموصلات أضعف النمو الاقتصادي بنحو ربع تريليون دولار في عام 2021، ولهذا شهدنا هذا العام منافسة شرسة بشأن الرقائق الإلكترونية بما أدى إلى تأجيج الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، وتبنت واشنطن استراتيجية لا تسعى فقط إلى تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة ومعالجة هشاشة سلسلة التوريد، لكن أيضا لإحباط هدف الصين في إنتاج أشباه موصلات متقدمة، وقد كان لذلك الصراع تأثير غير إيجابي في الاقتصاد الدولي هذا العام".
من جهته، يعتقد الخبير في الاقتصاد الأميركي جون هيدسون أن عام 2022 كشف جانبا كبيرا من القصور في القدرات التكنولوجية الأميركية، وأنه رغم المليارات التي رصدتها إدارة الرئيس جو بايدن لسد الفجوة الراهنة لديها في مجال صناعة أشباه الموصلات، فإنه يستبعد أن تنجح في ذلك وأن تستمر في الاعتماد على تايوان، ما يوجد أرضية دائمة لنزاع اقتصادي وسياسي بين واشنطن وبكين.
وقال هيدسون: "أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على لسان وزيرة التجارة جينا ريموند أن اعتماد الولايات المتحدة على أشباه الموصلات المتقدمة المنتجة في تايوان لا يمكن الدفاع عنه، وغير آمن بسبب التهديد الذي تتعرض له تايوان من جارتها الصين، نتيجة لذلك أعطى البيت الأبيض الأولوية لإقرار قانون CHIPS والعلوم الذي بات ساريا من أغسطس الماضي، ويوفر القانون 52 مليارا من الإعانات والحوافز الضريبية لتعزيز تطوير مصانع أشباه الموصلات المتطورة على الأراضي الأميركية، وأحد المشاريع التي تستفيد من هذا التمويل سينفذ بواسطة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات TSMC التي تنتج حاليا أكثر من 90 % من الرقائق الأكثر تطورا في العالم".
وأكد هيدسون أنه على الرغم من ذلك فإن المشاريع الأميركية ستنتج نحو 20 ألف شريحة إلكترونية كل شهر، لكن هذا يمثل أقل من 1.6% من الإنتاج الشهري الحالي لشركة TSMC التي تنتج 1.3 مليون شريحة من أشباه الموصلات، ومن ثم سيظل الاعتماد على تايوان قائما.