أكد خبراء ومحللون اقتصاديون أن أزمة نقص العملة الصعبة التي تعاني منها مصر، وانخفاض الطلب الأوروبي على الغاز والأسمدة، يعدان من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تراجع حجم الصادرات خلال شهر سبتمبر من العام الجاري، وهو ما نتج عنه ارتفاع عجز الميزان التجاري داخل البلاد، مشيرين إلى أن الصادرات تنتظرها انتعاشة جديدة قريبا بعد انتهاء الأزمة، نتيجة الميزة التنافسية للمنتجات المصرية بعد انخفاض قيمة الجنيه، وفي ضوء جودتها العالية.
وبحسب آخر التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، والمستند إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن عجز الميزان التجاري ارتفع في مصر خلال سبتمبر الماضي بنسبة 28.6% على أساس سنوي، ليصل إلى 3.138 مليارات دولار، مقابل 2.44 مليار دولار في سبتمبر 2022.
وتراجع إجمالي قيمة الصادرات المصرية بنسبة 28.41% ليصل إلى 2.9 مليار دولار خلال سبتمبر، مقابل 4.11 مليارات دولار في الشهر نفسه من 2022، كما انخفضت قيمة الواردات بنسبة 7.16% لتصل إلى 6 مليارات دولار خلال الشهر، مقارنة بـ6.55 مليارات دولار في سبتمبر 2022.
وانخفضت قيمة الصادرات المصرية في سبتمبر الماضي على أساس شهري بنسبة 12.4%، حيث سجلت في أغسطس 2023 نحو 3.3 مليارات دولار.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، الدكتور وليد جمال الدين، إنه عند النظر إلى إشكالية تراجع الصادرات خلال الفترة الماضية نحتاج إلى تقسيم المنتجات المصرية إلى شقين: الأول خاص بالمنتجات التي تحتوي على نسبة مكون محلي عالية، والثاني المنتجات التي يدخل بها مكون أجنبي بنسبة كبيرة.
وأضاف جمال الدين، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن القطاعات ذات المكون المحلي المرتفع شهدت زيادة في حجم صادراتها خلال هذا العام، ضاربا المثال بقطاع مواد البناء الذي حقق نموا في الصادرات خلال الـ9 أشهر الأولى من عام 2023 بنسبة أكبر من 20%، بحسب تقديره.
بينما واجهت القطاعات التي يدخل بها مكون مستورد تراجعا في حجم صادراتها، بحسب د. جمال الدين، الذي أشار إلى أن هذه القطاعات تستحوذ على الوزن الأكبر في الصناعة المحلية، ما أدى في النهاية إلى تراجع إجمالي الصادرات، بحسب جمال الدين.
وأوضح أنه بالنظر إلى هذا التقسيم للصادرات المصرية، سنجد أنه ليس هناك إشكالية في حجم الطلب العالمي أو في جودة المنتج المصري، بل تكمن المشكلة في تراجع حجم الإنتاج نفسه، مشيرا إلى أن مصر تعاني من عدم توافر العملة الصعبة بصورة طبيعية للمصنعين لاستيراد مستلزمات الإنتاج، وهو ما أدى إلى تراجع حجم الإنتاج منذ بداية الأزمة في العام الماضي.
ولفت جمال الدين، إلى أن المصنعين المحليين لديهم فرصة ذهبية لفتح أسواق تصديرية جديدة ومضاعفة حجم الصادرات، بسبب الميزة التنافسية الناتجة عن انخفاض قيمة العملة، ولكنهم غير قادرين على تلبية الطلبات الخارجية بسبب صعوبة شراء مستلزمات الإنتاج، مؤكدا أن انخفاض قيمة الجنيه وجودة المنتج المصري العالية يستطيعان تحقيق أهداف الدولة بالوصول إلى 100 مليار دولار صادرات أو أبعد من ذلك، ولكن يجب توفير العملة حتى تستطيع المصانع المحلية تلبية الطلب الخارجي.
ويرى رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، أن تلك المشكلة أزمة مؤقتة، ناتجة عن وجود أزمة في العملة الأجنبية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وأن الصادرات المصرية سوف تستعيد اتجاهها الصعودي بقوة شديدة بعد حل تلك المشكلة.
وكانت مصر قد خسرت أكثر من 22 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب تصريحات سابقة للدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري.
واضطرت القاهرة إلى تخفيض قيمة العملة ثلاث مرات منذ مارس 2022 حتى نفس الشهر من العام الجاري، ليصل سعر صرف الدولار إلى 30.90 جنيها، مقابل 15.70 جنيها قبل الأزمة الأخيرة، بينما يتم تداوله في السوق الموازية عند مستويات قرب 50 جنيها لعدم توافره في القنوات الرسمية.
من جانبه، يقول رئيس البحوث في شركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، مصطفى شفيع، إن حجم الصادرات المصرية يبدو متراجعا لأننا نقارن بحجم صادرات عام 2022، لافتا إلى أن العام الماضي كان استثناء ويصعب تكراره العام الحالي.
وأضاف شفيع، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن مصر حققت العام الماضي رقما قياسيا في الصادرات بلغ 51.6 مليار دولار، بفضل صادرات الغاز الطبيعي، مشيرا إلى أن صادرات مصر من الغاز المسال فقط وصلت إلى نحو 10 مليارات دولار خلال عام 2022.
ولفت إلى أن هذه الطفرة كانت بسبب اتجاه أوروبا إلى مصر لشراء احتياجاتها من الغاز بعدما انقطع عنها الغاز الروسي، وأن الغرب كان يبحث عن الغاز والأسمدة، وهو ما خلق سوقا تصديرية كبيرة للمنتجات المصرية.
وأوضح شفيع، أنه بعد انتهاء عام 2022، والربع الأول من عام 2023، تراجع الطلب الأوروبي على الغاز المصري، بسبب بدء المواسم الدافئة وإيجاد أسواق بديلة مثل الجزائر، مشيرا إلى أن سعر الغاز وصل إلى 10 دولارات للمليون وحدة حرارية في العام الماضي، وهو الوقت الذي زادت فيه الصادرات المصرية، بينما يسجل حاليا 2.5 دولار إلى 3 دولارات كحد أقصى لكل مليون وحدة حرارية.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادرة في مارس الماضي، فإن الصادرات المصرية ارتفعت قيمتها بنسبة 18.3% خلال عام 2022، مقارنة بـ2021.
وسجلت الصادرات المصرية خلال 2022 نحو 51.6 مليار دولار مقابل 43.6 مليار دولار خلال عام 2021، بزيادة قدرها 8 مليارات دولار، وجاء الغاز المسال على رأس السلع المصدرة بقيمة 10 مليارات دولار، والأسمدة بقيمة 3.3 مليارات دولار.
وبحسب آخر البيانات المصرية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في نهاية أكتوبر الماضي، فإن قيمة الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي والمسال تراجعت بنسبة 97.7% خلال شهر أغسطس الماضي، لتسجل 5.39 ملايين دولار، مقابل 243.19 مليون دولار خلال نفس الشهر مـن العام الماضي.