في سوق شديدة التنافسية مثل قطاع الأغذية والمشروبات، تُمثّل المطاعم أحد أكثر أنواع المشاريع التجارية جذباً، لكنها في الوقت نفسه من بين الأكثر عرضة للفشل.
فبحسب إحصاءات رسمية حديثة في الولايات المتحدة وعدد من الأسواق العالمية، تفشل نسبة كبيرة من المطاعم الجديدة في البقاء بعد سنوات قليلة من افتتاحها، حيث تُظهر الأرقام أن نحو 60% من هذه المشاريع تُغلق أبوابها خلال العامين الأولين، بينما تصل نسبة الإخفاق إلى ما يقارب 80% بعد مرور خمس سنوات فقط على التأسيس.
وتعود هذه النسب المرتفعة من الإخفاق إلى مجموعة من العوامل المعقدة التي تتداخل فيها الاعتبارات المالية والتشغيلية والإدارية.
السبب الأبرز لفشل المطاعم في سنواتها الأولى هو غياب التخطيط المالي السليم، كثير من رواد الأعمال يدخلون هذا القطاع بدافع الشغف بالطعام أو رغبة في خلق تجربة فريدة، لكن من دون الاعتماد على دراسات جدوى دقيقة أو فهم معمّق للسوق وتكاليف التشغيل.
اختيار الموقع يلعب دوراً محورياً في نجاح أي مطعم، إذ يمكن لموقع غير مناسب، حتى وإن كانت جودة الطعام والخدمة مرتفعة، أن يحكم على المشروع بالفشل نتيجة انخفاض الإقبال.
إلى جانب ذلك، تستهلك النفقات التشغيلية نسبة كبيرة من الإيرادات، خاصة الإيجارات المرتفعة ورواتب الموظفين وتكاليف المواد الغذائية، ما يجعل هامش الربح محدوداً ويصعب معه الصمود أمام أي أزمة مفاجئة.
تتراوح نسب الربحية في قطاع المطاعم بين 3% و10% في المتوسط، وهي أرقام منخفضة مقارنة بقطاعات تجارية أخرى. ورغم ذلك، يمكن لمطاعم بعينها، تتمتع بإدارة قوية وموقع متميز وقاعدة زبائن وفية، أن تحقق أرباحاً تصل إلى 15%، خاصة إذا كانت تعتمد نموذجاً مرناً أو قائمة محدودة تتيح التحكم بالنفقات وتقليل الهدر.
على الرغم من أن المدن الكبرى توفّر فرصاً كبيرة بفضل الكثافة السكانية وحركة الزوار والسياح، فإنها أيضاً تشهد منافسة شديدة وتكاليف تشغيل مرتفعة. في المقابل، توفّر المدن الصغيرة والضواحي بيئة أقل تكلفة وتسمح ببناء علاقات مباشرة مع العملاء، لكنها تعاني من محدودية حجم السوق وضعف التنوع السكاني. لهذا، يوصي خبراء القطاع بأن يركّز المستثمرون الجدد على الأسواق المتوسطة أو المدن النامية التي توفّر توازناً بين التكاليف وفرص النمو.
ورغم كل التحديات، لا يزال افتتاح مطعم حلماً شائعاً لدى الكثيرين، ويمكن لهذا الحلم أن يتحقق ويستمر إذا أُسس المشروع على أسس واقعية ومرنة، تراعي تقلبات السوق وتحولات أذواق المستهلكين، وتضع الإدارة المالية والانضباط التشغيلي في صلب استراتيجيتها اليومية.