مفاوضات متعثرة مع صندوق النقد.. والإصلاحات في قلب الجدل
دعوات إلى حوار وطني شامل لتجاوز الأزمة الاقتصادية
يواجه الاقتصاد التونسي تحديات متصاعدة، تظهر جلياً في مؤشرات مقلقة تشير إلى الانكماش وتفاقم العجز التجاري، حيث يمر بواحدة من أعمق أزماته منذ 2011، وسط ضبابية تامة بشأن مصير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
سجّل الاقتصاد التونسي نمواً متواضعاً بنسبة 1.6% في الربع الأول من العام 2025، وسط تراجع تدريجي في احتياطات العملة خلال النصف الأول من العام الجاري إلى 23.2 مليار دينار (7.9 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي التي سجلت 24.3 مليار دينار (8.28 مليار دولار)، بانخفاض بلغ 4.5%.
بالإضافة إلى استمرار عبء الدين العام الذي سجّل نحو 142 مليار دينار، في ظل انكماش قطاعات حيوية مثل السياحة والصناعة والخدمات.
كما استمر العجز التجاري في التفاقم، حيث بلغ 3.4 مليار دولار في عام 2024، ويتسع العجز التجاري بشكل مطرد، مما يضغط بقوة على احتياطيات تونس من العملة الصعبة، ويزيد من صعوبة تلبية التزاماتها المالية الخارجية، الأمر الذي يفاقم أزمة السيولة.
وفقاً لبيانات المعهد الوطني للإحصاء، سجّل الميزان التجاري لتونس في النصف الأول من عام 2025 عجزاً قياسياً بقيمة 7.9 مليار دينار تونسي، بزيادة 24% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
في محاولة للإجابة عن سؤال: هل يمكن أن يخرج الاقتصاد التونسي من حالة الانكماش والركود الاقتصادي؟ قدّم خبراء اقتصاديون رؤى متباينة، لكنها تتفق على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعّالة لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، منها ضرورة إجراء حوار وطني حول طبيعة الإصلاحات الجريئة، حسبما يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة تونس محمود بن جمعة، في حديثه مع «إرم بزنس».
يؤكد بن جمعة أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أصبح حتمياً لفتح أبواب التمويل الخارجي، ولكن ذلك يتطلب حواراً وطنياً شاملاً حول الإصلاحات المؤلمة وغير الشعبية، مثل إصلاح المؤسسات العمومية المترهلة، وإعادة هيكلة الدعم بشكل يحمي الفئات الهشّة، مع ضرورة إقناع المواطنين بجدوى هذه الإصلاحات على المدى الطويل.
منذ أكثر من عام، تتعثر المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، بسبب خلافات حول شروط الإصلاح، وعلى رأسها رفع الدعم وتجميد الأجور، وهي إجراءات تواجه رفضاً شعبياً واسعاً ومعارضة نقابية حادة.
يعود هذا التعثر إلى عدم التوافق على طبيعة وحجم الإصلاحات المطلوبة من الصندوق، خاصة تلك المتعلقة بإصلاح المؤسسات العمومية ورفع الدعم عن بعض المواد الأساسية.
يرى خبراء أنه لا بد من تنويع مصادر التمويل وتنشيط الاستثمار المحلي. تقول الخبيرة المالية سعاد بنور، لـ «إرم بزنس» إن تونس لا يجب أن تعوّل فقط على صندوق النقد الدولي، بل ينبغي البحث عن مصادر تمويل بديلة، مثل إصدار سندات على المستوى الإقليمي، أو استقطاب الاستثمارات المباشرة من خلال تحسين مناخ الأعمال وتقليل البيروقراطية.
أضافت أن تنشيط الاستثمار المحلي عبر توفير حوافز وضمانات للمستثمرين التونسيين يُعد ضرورة قصوى لضخ سيولة جديدة في الاقتصاد.
ورغم التراجع التدريجي لمعدل التضخم في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، إلا أنه لا يزال عند مستويات مرتفعة نسبياً تتراوح بين 5% و6%، مع استمرار الضغوط على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقد شهدت تونس تراجعاً طفيفاً في معدلات التضخم منذ ديسمبر 2024، حيث بلغ 6.2%، ثم انخفض في يناير إلى 6.0%، وفي فبراير إلى 5.7%، وصولاً إلى 5.4% في مايو، بحسب بيانات وزارة المالية التونسية المنشورة على موقعها الإلكتروني.
من جانبه، يشدد الخبير الاقتصادي وليد بلحاج، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، على ضرورة تحويل التركيز نحو دعم القطاعات المنتجة وزيادة تنافسية الصادرات التونسية.
كما يرى أنه يجب العمل على تخفيف الأعباء على المصدرين، وتشجيع الابتكار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والبحث عن أسواق جديدة لتنويع الشركاء التجاريين وتقليل العجز التجاري.
في المقابل، تؤكد الحكومة التونسية حرصها على استقرار مؤشراتها الاقتصادية. فقد أبرزت وزيرة المالية التونسية، مشكاة سلامة الخالدي، في كلمة ألقتها خلال ندوة عقدت في بداية الشهر الجاري في إسبانيا، حرص تونس المتواصل على المحافظة على استقرار المؤشرات على مستوى المالية العمومية رغم تقلّبات الظرف الاقتصادي العالمي.
بحسب وزيرة المالية التونسية، فإن تونس حافظت على مستوى دينها العمومي في حدود 80% من الناتج المحلي الإجمالي، مع انخفاض تدريجي في الدين الخارجي إلى نحو 43%، ما يعكس سعيها لإعادة تثبيت الوضع السيادي والسيطرة على المخاطر الخارجية.
بلغت نسبة البطالة في تونس 15.7% خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بـ 16.0% في الربع الثالث من عام 2024. وبلغت نسبة البطالة بين الرجال 13.6%، مقابل 13.3% في الربع الثالث من 2024.
أما نسبة البطالة بين النساء، فقد انخفضت من 22.1% إلى 20.3%، في حين انخفضت نسبة بطالة الشباب إلى 37.7%، مقارنة بـ 40.5%، وفقاً لآخر بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس. ورغم هذه الانخفاضات، تظل نسب البطالة مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة.