logo
اقتصاد

الديون «تخنق» تونس.. أرقام مقلقة وخيارات محدودة جداً

دين تونس العام تجاوز نسبة 83% من إجمالي الناتج المحلي

من أعلى 10 دول إفريقية مديونية بقيمة إجمالية تفوق 43 مليار دولار

الديون «تخنق» تونس.. أرقام مقلقة وخيارات محدودة جداً
علم تونس مرفوع بساحة باب سعدون الشهيرة في العاصمة تونس، 31 مارس 2020.المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:8 يوليو 2025, 05:00 ص

وسط أزمة مالية خانقة، وغياب الإصلاحات الحاسمة، تجد تونس نفسها على حافة «هاوية اقتصادية» بعد تجاوز الدين العام نسبة 83% من إجمالي الناتج المحلي.

بحسب بيانات صادرة عن البنك الدولي في شهر ديسمبر الماضي، أصبحت تونس ضمن أعلى 10 دول مديونية في إفريقيا، ديون إجمالية تفوق 43 مليار دولار. 

ورغم محاولات الحكومات المتعاقبة، احتواء أزمة الديون التي وضعتها في المرتبة التاسعة إفريقياً، فإن الواقع يشير إلى أن المديونية تحوّلت من وسيلة تمويل مؤقتة إلى أزمة مستدامة تهدد استقرار المالية العامة والسيادة الاقتصادية، بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة قرطاج، رضا الشكندالي.

الاعتماد على الذات

تواجه سياسة «التعويل على الذات» التي اعتمدتها الحكومات التونسية المتعاقبة لمجابهة الصعوبات المالية التي تعيشها البلاد، انتقادات من الخبراء الاقتصاديين، ومنهم الخبير الاقتصادي هشام العجبوني.

في حديثه لـ«إرم بزنس» يشير العجبوني، إلى أن سياسة التعويل على الذات التي تنتهجها السلطات مجرد «شعار فضفاض»، على اعتبار أن تونس لم تتأخر عن سداد ديونها منذ مرحلة ما بعد الاستقلال إلى اليوم. 

العجبوني أضاف، أن سياسة التعويل على الذات مجرد مغالطة تسوّقها الحكومة للشعب، فضلاً عن الاستمرار في نهج الاقتراض لدعم الميزانية.

أخبار ذات صلة

وزيرة المالية: دين تونس العام يشكّل 80% من الناتج المحلي الإجمالي

وزيرة المالية: دين تونس العام يشكّل 80% من الناتج المحلي الإجمالي

بداية الأزمة

منذ عام 2011، شهدت تونس ارتفاعاً متسارعاً في النفقات العمومية، خاصة في كتلة الأجور والدعم، دون أن يرافق ذلك نمو اقتصادي متوازن أو إصلاح ضريبي فعّال، فضلاً عن ارتفاع عجز الميزان التجاري، وتراجع قيمة العملة المحلية.

دفع هذا الارتفاع الحكومة إلى الاعتماد أكثر على القروض الخارجية لتغطية العجز، وسط استمرار تعثّر محاولات الإصلاح، وهو ما أفقد تونس ثقة بعض المانحين، وأدى إلى تجميد اتفاقات تمويلية مع صندوق النقد.

ومع تراجع الدعم الدولي، لجأت الحكومة إلى السوق المحلية للاستدانة عبر إصدار سندات وأذون خزانة، وتمويلات قصيرة الأجل ذات تكلفة عالية، وهو ما يزيد مخاطر خدمة الدين في المدى المتوسط.

وأدت هذه الأوضاع مجتمعة إلى تجاوز حجم الدين العام التونسي 42 مليار دولار خلال العام 2024، بما يُعادل 81.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، بحسب وثيقة لوزارة المالية نشرتها وكالة الأنباء التونسية في شهر فبراير الماضي. 

أظهرت الوثيقة، أن إجمالي حجم الدين العام لتونس خلال العام الماضي بلغ 135 مليار دينار (42.056 مليار دولار) مقابل 126.6 مليار دينار (39.439 مليار دولار) في العام 2023.

وبلغت نسبة الديون الداخلية لتونس خلال العام الماضي 53.8% من إجمالي الديون العامة، بينما بلغت نسبة الديون الخارجية 46.2%.

في المقابل، ارتفعت نسبة الديون الداخلية من إجمالي الديون العامة لتونس من 39.6% عام 2021، إلى 42% عام 2022 لتصل إلى 47.2% في العام 2023، ثم 53.8% في العام 2024.

تداعيات صعبة

يرى الخبراء، أن مشكلة تزايد الديون تسببت في الكثير من التداعيات الصعبة على الاقتصاد والمواطنين، حيث يتم توجيه أكثر من ربع الموازنة العامة لسداد القروض وفوائدها، مما يضيق هامش الإنفاق التنموي.

كما أدت هذه الديون إلى زيادة الضغط على العملة المحلية بسبب الطلب المستمر على العملات الأجنبية لتسديد الديون، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الضغط على الدينار التونسي، بما يغذي التضخم، وينعكس في ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات الأساسية.

وأدت الضغوط الاجتماعية إلى تضخم كتلة الأجور التي تلتهم أكثر من 16% من الناتج المحلي، وهو من ضمن أعلى المعدلات في العالم، بحسب صندوق النقد الدولي.

ويعتبر تأخر الإصلاحات الهيكلية رغم التوصيات المتكررة بالمضي قدماً فيها، سبباً في تأزم الوضع، إذ لم تنجح الحكومات في تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية، مثل إصلاح منظومة الدعم، أو إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، وهو ما يمثل نزيفاً دائماً للمالية العامة.

كما أن ارتفاع تكلفة خدمة الدين، التي تشمل الفوائد والأقساط لنحو 25% من ميزانية الدولة، يؤدي لتقلص نفقات التعليم والصحة والاستثمار، بما ينذر بتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ويُصعّب تنفيذ الإصلاحات.

وسجلت خدمة الديون العامة ارتفاعاً، حيث بلغت 24.8 مليار دينار (7.725 مليار دولار) سنة 2024 أي بزيادة قدرت بنسبة 19.5%، مقارنة مع العام 2023 الذي بلغ فيه حجم خدمة الديون العامة 20.7 مليار دينار (6.448 مليار دولار)، بحسب وزارة المالية التونسية. 

أخبار ذات صلة

تونس.. 422 مليون دولار تكلفة تدخل البنك المركزي بالسوق النقدية في 2024

تونس.. 422 مليون دولار تكلفة تدخل البنك المركزي بالسوق النقدية في 2024

 أفق الحل

وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، يرى الخبراء أن معالجة أزمة المديونية في تونس تتطلب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يراعي التوازن بين الإصلاح المالي والحماية الاجتماعية، وتحريك عجلة الاستثمار والإنتاج عبر بيئة تنظيمية مستقرة، وإعادة هيكلة الدين بالتفاوض مع الدائنين الخارجيين لتمديد الآجال وتقليل الفوائد.

وقال الخبير المالي معز الجودي لـ«إرم بزنس» إن تونس لم تبلغ بعد مرحلة الإفلاس، لكنها في منطقة الخطر، وأي تأخير في الإصلاحات سيجعل السيناريوهات أكثر كلفة. 

من ناحيته، اعتبر الشكندالي في حديثه لـ«إرم بزنس» أن أزمة المديونية مرتبطة أساساً بتراجع معدلات النمو، حيث لم تتجاوز 1.5% خلال السنوات الأخيرة، مقابل عجز دائم في الميزانية يفرض اللجوء إلى الاقتراض لسدّ النفقات.

وبهدف التوصل إلى حلول لأزمة المديونية، يقول الجودي، إن الاتفاق مع صندوق النقد ضروري، لكنه لا يجب أن يتم على حساب الفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة من ذوي الدخل المحدود، وبالتالي المطلوب وضع خطة وطنية تُوازِن بين الإصلاح المالي والحماية الاجتماعية.

وأكد الجودي، أنه يمكن لتونس أن تتفاوض مع بعض الدائنين الثنائيين خاصة الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي على إعادة جدولة الديون أو تحويلها إلى مشاريع تنموية أو بيئية، داعياً إلى العمل على تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار، عبر تحسين الإطار التشريعي، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وإصلاح النظام الضريبي، وتوسيع قاعدة المساهمين من خلال دمج الاقتصاد الموازي لتخفيف الضغط على المالية العمومية، وزيادة الموارد المالية الذاتية دون الاعتماد على الاستدانة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC