المكملات الغذائية تستحوذ على حصة كبيرة من السوق
تحديث مرتقب لآليات التسعير الجبري قبل نهاية العام
دفعت الزيادة الكبيرة التي أقرتها هيئة الدواء المصرية على أسعار المستحضرات الدوائية في البلاد، منتصف العام الماضي، معدلات إنفاق المصريين على الدواء إلى مستويات قياسية منذ بداية العام الحالي، مقارنةً بمثل الفترة خلال الأعوام الماضية.
وتجاوزت مبيعات الدواء في مصر (عبر الصيدليات) 160 مليار جنيه (3.3 مليار دولار) خلال الفترة من يناير إلى نهاية يوليو الماضي، مقابل 106 مليارات جنيه (2.19 مليار دولار) في الفترة ذاتها من العام الماضي، بنمو يتجاوز 50%، بحسب تقديرات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، علي عوف.
كشف عوف لـ«إرم بزنس» عن تجاوز مبيعات الدواء في بلاده 23 مليار جنيه خلال شهر يوليو الماضي، مقابل 17.5 مليار جنيه في الشهر نفسه من العام الماضي، بزيادة 31%.
كانت معدلات نمو مبيعات الدواء في مصر تتراوح بين 10 و15% في المتوسط خلال السنوات الماضية، لكن قرارات رفع الأسعار التي تشمل عدداً كبيراً من المستحضرات دائماً ما تدفع معدلات النمو لمستويات تتراوح بين 30 و50%، وفق رئيس الشعبة.
في عام 2024، بلغ إجمالي مبيعات الدواء في مصر (عبر القطاعين العام والخاص) نحو 309 مليارات جنيه، بواقع 214.5 مليار جنيه من خلال الصيدليات، و94.5 مليار جنيه من خلال المستشفيات والجهات الحكومية، بحسب بيانات مجلس الوزراء المصري.
أوضح عوف أن الزيادة الكبيرة في مبيعات القطاع الدوائي في بلاده نتجت بشكل رئيس عن ارتفاع أسعار نحو 2500 دواء بنسبة تتراوح بين 30 و40% منتصف العام الماضي.
وقال إن هيئة الدواء المصرية اضطرت لرفع هذا الكم من الأدوية دفعة واحدة العام الماضي، بعد قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف في مارس 2024، والذي رفع سعر الدولار مقابل الجنيه بنسبة تتجاوز 65%.
رغم الزيادة الكبيرة في مبيعات الدواء طوال الأشهر الماضية، رأى عوف أن الزيادة التي أقرتها هيئة الدواء المصرية على المستحضرات الدوائية العام الماضي غير عادلة بالمقارنة مع الزيادة الكبيرة التي ضربت جميع عناصر التكلفة بعد تحرير سعر الصرف، والذي قفز بسعر العملة الخضراء من مستوى 30 جنيهاً إلى نحو 50 جنيهاً.
اعتبر عوف زيادة أسعار 2500 مستحضر دفعة واحدة العام الماضي غير كافية، وقال إن شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية قدّمت قبل أيام طلبا جديدا لهيئة الدواء المصرية لتحريك أسعار 1000 مستحضر بنسبة 10%، لاستيعاب زيادة أسعار البنزين والكهرباء والتأمينات وأجور العاملين في البلاد، منذ آخر رفع لأسعار الدواء.
وتتحكم مصر في صناعة الدواء من خلال التسعيرة الجبرية، حيث تُلزم الشركات الراغبة في تعديل أسعار مستحضراتها بتقديم طلبات لهيئة الدواء المصرية للبت فيها وفقا لتغير عناصر التكلفة.
تضم السوق المصرية أكثر من 17 ألف دواء مسجّل بهيئة الدواء، يتم إنتاجها عبر أكثر من 172 مصنعاً، و1200 شركة تصنيع لدى الغير، بحسب بيانات شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، والتي تُقدّر عدد الأدوية الأكثر تداولًا في البلاد بنحو 4500 مستحضر.
بدوره، قال رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة صيادلة القاهرة، محفوظ رمزي، إن هناك عدة عوامل ساعدت على تحقيق النمو الكبير في مبيعات الدواء، إلى جانب رفع الأسعار، من بينها الزيادة الطبيعية في استهلاك الدواء مع نمو عدد السكان، بجانب زيادة الإنفاق على المكملات الغذائية والفيتامينات.
أوضح رمزي لـ«إرم بزنس» أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاع استهلاك المصريين من الأدوية إلى نحو 3.6 مليار عبوة دوائية، نتيجة زيادة عدد السكان وارتفاع أعداد الزائرين واللاجئين.
يبلغ عدد سكان مصر في الداخل نحو 107.8 مليون نسمة، بجانب 10 ملايين لاجئ، بحسب تقديرات مجلس الوزراء المصري.
أشار رمزي إلى أن المكملات الغذائية تستحوذ حالياً على أكثر من 15% من حجم سوق الدواء المصرية، خصوصاً مع تزايد الإنفاق عليها عقب جائحة كوفيد-19 التي ضربت العالم مطلع عام 2020.
«بعد جائحة كورونا، زاد اهتمام المصريين بالفيتامينات والمكملات الغذائية بشكل ملحوظ، بناءً على توصيات الأطباء لرفع مستوى المناعة في الجسم؛ هذا الأمر رفع الاستهلاك إلى مستوى كبير»، وفق رمزي.
أوضح أن نقل تبعية المكملات الغذائية من هيئة الدواء المصرية إلى هيئة سلامة الغذاء، بجانب تحرير تسعيرها قبل 4 سنوات، لعب دوراً بارزاً في رفع أسعارها لمستويات قياسية، انعكست بشكل واضح على السوق.
توقّع رمزي ارتفاع مبيعات الدواء عبر الصيدليات في مصر إلى 320 مليار جنيه (6.6 مليار دولار) بنهاية العام الحالي، مقارنةً بنحو 214.5 مليار جنيه في 2024، بنمو يُقدَّر بـ50%.
استبعد رمزي موافقة الحكومة المصرية على تحريك أسعار مجموعة كبيرة من الأدوية قريباً، خصوصاً أن آخر زيادة للأسعار لم يمر عليها سوى عدة أشهر.
فيما رجّح رمزي موافقة الهيئة على مجموعة محدودة من الأصناف متى اقتضت الحاجة، وأن تشمل الأدوية المستوردة التي ليس لها بدائل محلية.
«عندما قامت هيئة الدواء المصرية بزيادة أسعار الأدوية العام الماضي، اكتفت بزيادة المستحضرات المستوردة بنسبة بسيطة، مع وعد الشركات بزيادات أخرى تدريجيا لتخفيف أثر الزيادة على المرضى»، وفق رمزي.
أوضح رئيس لجنة التصنيع الدوائي أن هيئة الدواء المصرية عملت العام الماضي على توطين إنتاج مجموعة من الأدوية المستوردة، لخفض فاتورة استيرادها من ناحية، وتوفير بدائل محلية أرخص نسبياً من ناحية أخرى.
اتفق معه عوف، وقال إن هيئة الدواء لا تنوي الموافقة على رفع أسعار 1000 دواء كما طلبت الشعبة قبل نحو شهر، وقد تكتفي بالزيادة الطبيعية التي تشمل نحو 200 صنف كل 6 أشهر.
قبل أيام، قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي، إن حكومة بلاده تتابع عن كثب مطالبات شركات الأدوية برفع أسعار بعض الأصناف خلال الفترة المقبلة.
أكد مدبولي أن الأدوية تُعد سلعة استراتيجية، وستظل تحظى بدعم كبير من الدولة والقطاع الخاص على حد سواء.
أوضح أن سوق الدواء واجه تحديات ناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وتم التوافق سابقاً مع الشركات على زيادة متدرجة في الأسعار، مضيفا: «آخر جزء من هذه الزيادة نُفّذ قبل عدة أشهر، بناءً على ما تم الاتفاق عليه مع الشركات».
أشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تدرك طبيعة مطالبات الشركات المستمرة بزيادة الأسعار، لكنها في المقابل تتبنى رؤية تستهدف الحفاظ على استقرار سوق الدواء وضمان توافر الكميات اللازمة لتلبية احتياجات المواطنين.
كما شدد على أن هناك تنسيقاً دائماً مع الجهات المعنية كافة، قائلًا: «نعمل مع جميع الشركات من خلال نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، وهيئة الشراء الموحد، وهيئة الدواء، للوصول إلى حلول تضمن استدامة الإنتاج وتوافر الدواء دون الإضرار بالمواطن».
فيما قال مسؤول حكومي لـ«إرم بزنس» إن هيئة الدواء المصرية تُعدّ حالياً تحديثاً لآليات التسعير الجبري للدواء في البلاد، تمهيدًا لاعتماده قبل نهاية العام الحالي.
وتعقد هيئة الدواء، منذ 3 أشهر، اجتماعات مع بعض أطراف المنظومة الدوائية للتوافق على التحديثات التي سيتم إدخالها على آليات التسعير الجبري، وفقاً للمسؤول، الذي فضّل عدم ذكر اسمه.
أشار إلى أن غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات توصّلت، بعد عدة اجتماعات ومشاورات مع هيئة الدواء، إلى ملامح مقترح لتغيير منظومة التسعير، من حيث أسلوب وطريقة التسعير، وحسابات عناصر التكلفة، والمرجعية المستخدمة في التسعير.
وينظم القرار رقم 499 عملية تسعير الدواء في السوق المصرية، لكن القرار المرتقب سيمنح هيئة الدواء المصرية مرونة أكبر في تحريك الأسعار حال تغيّر التكلفة أو زيادة سعر الدولار خلال فترة زمنية محددة، بحسب المسؤول.