وول ستريت
وول ستريترويترز

قاع المحيطات.. نقطة اشتعال جديدة بين أميركا والصين

يبدو أن التنقيب عن المعادن في قاع المحيط قد ينتقل من عالم الخيال والأحلام إلى الواقع العملي، أما كلمة السر في هذه النقلة التي باتت اليوم متوقعة أكثر من أي وقت مضى فهي مخاوف الأمن القومي الأميركي وأهمية الكوبالت لمصانع الأسلحة الأميركية.

وعلى عمق آلاف الأقدام في قاع المحيط، تقبع الصخور الصغيرة التي تحتوي على كميات هائلة على النيكل والمنغنيز والكوبالت - المزيج المثالي من المعادن لصنع بطارية سيارة كهربائية - على حالها، بسبب ارتفاع تكاليف الوصول إليها، ونقص الأبحاث، حيث أبقت المعارضة والعوائق التعدين في أعماق البحار حلماً بعيد المنال.

وغالباً ما لقيت جهود الضغط الساعية لموافقة حكومية على التنقيب عن معادن بطاريات السيارات الكهربائية في قاع البحر آذاناً صماء، لكن المؤيدين وجدوا طريقة لجذب المشرعين، حيث يرغب صانعو الأسلحة الأميركيون الذين يتجنبون الموردين الصينيين بالحصول على عنصر الكوبالت، بناءً على الجهود المبذولة للانفصال عن القوة العظمى الآسيوية.

أضغاث أحلام

وقال سمير كاباديا، أحد أعضاء جماعات الضغط في مجموعة فوجل المدعومة من شركة ميتالز: "بلا شك، فإن التعدين في أعماق البحار مر بنقطة انعطاف حيث وجد موطناً له في سياق الأمن القومي الأميركي".

وأضاف: "عندما ركزت الضغوط على المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية، رأى المشرعون أن التعدين في أعماق البحار أضغاث أحلام، ومن غير المرجح أن تؤتي ثمارها، بل تم السخرية منها في بعض الأوساط".

ولكن يوم الثلاثاء، قدم النائبان كارول ميلر (جمهوري من فرجينيا الغربية) وجون جويس (جمهوري من بنسلفانيا) مشروع قانون إلى الكونغرس من أجل تطوير وتمويل التعدين في أعماق البحار في البلاد.

وطرح مشروع القانون على وجه الخصوص فكرة إنشاء معالجة المعادن داخل الولايات المتحدة بالإضافة إلى تقنين التعدين في أعماق البحار وإضفاء الطابع الرسمي عليه في المياه الدولية.

وجاءت هذه الضغوط الملحة وسط هيمنة الصين المتزايدة على العديد من سلاسل توريد المعادن المهمة وتأثيرها المتزايد على التعدين في أعماق البحار.

وتمتلك أميركا خمسة عقود لاستكشاف قاع البحر بحثاً عن المعادن في المياه الدولية، أكثر من أي دولة أخرى وبعدها روسيا، كما أرسلت الصين سفناً لإجراء أبحاث في المحيط الهادئ، الأمر الذي أثار قلق المشرعين في الولايات المتحدة.

رسالة لوزير الدفاع

وفي هذا الصدد كتب أكثر من 30 عضواً جمهورياً في الكونغرس رسالة إلى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في ديسمبر/ كانون الأول، يدافعون فيها عن قضية التعدين في أعماق البحار ومعالجة المعادن داخل الولايات المتحدة ويحذرون من سيطرة الصين على قطاع المعادن الحيوي.

وجاء في الرسالة الموقعة من قبل النائبين روبرت ويتمان (جمهوري من فرجينيا) وإليز ستيفانيك (جمهوري من نيويورك): "لا يمكننا أن نسمح للصين بالاستيلاء على موارد قاع البحر واستغلالها، والتي وصفها الحزب الشيوعي الصيني بأنها "حدود جديدة للمنافسة الدولية"، ويتعين علينا أن نستكشف كل السبل لتعزيز سلاسل إمدادنا بالعناصر النادرة والمعادن المهمة".

وتعمل وزارة الدفاع الأميركية على إعداد تقرير لمراجعة قدرة الولايات المتحدة على معالجة المعادن التي يتم الحصول عليها عن طريق التعدين في أعماق البحار على التربة المحلية، وكان من المقرر تقديم هذا التقرير في الأول من مارس/آذار ولكن تم تأجيله.

وقال البنتاغون هذا الشهر: "على الرغم من أنه ليس لدينا تفاصيل محددة بخصوص هذا التقرير لنصدره اليوم، فإننا سنواصل العمل بشكل وثيق مع الكونغرس بشأن نهج [وزارة الدفاع] لتأمين المعادن المهمة التي تعتبر أساسية لأنظمة الدفاع".

ومن المقرر أن يجتمع أعضاء الهيئة الدولية لقاع البحار، وهي منظمة مراقبة تابعة للأمم المتحدة، خلال الأسبوع المقبل، في كينغستون - جامايكا لوضع الخطوات النهائية لمدونة التعدين التي ينبغي أن تؤدي في نهاية المطاف إلى القواعد واللوائح النهائية للتعدين في أعماق البحار، وستكون الولايات المتحدة حاضرة، على الرغم من أنها لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مما يعني أنها لا تتمتع بحقوق التصويت على القوانين الجديدة.

التصديق على "قانون البحار"

ودعت مجموعة من القادة العسكريين والسياسيين السابقين الولايات المتحدة إلى التصديق على قانون البحار في محاولة لتحفيز اهتمام البلاد بالتعدين في أعماق البحار، وفقاً لمسودة رسالة اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال.

كما تعمل "ميتالز" TMC، بالشراكة مع جزيرة ناورو، على مشروع استكشافي فتح باباً محتملاً لبدء العمل في قاع البحر في المحيط الهادئ.

ومع ذلك، يبدو أن السوق لا يصدق، ففي العام الماضي، انخفضت أسهم الشركة إلى أقل من دولار واحد، وباع أكبر داعم لها - عملاق الشحن الدنماركي "ايه بي مولر ميرسك" AP Moller-Maersk - حصته في الشركة. وتضاءلت الأموال المتوفرة وتزايدت المعارضة لمشروعها، حيث طالبت أكثر من 20 دولة بوقف المشروع. وصعد متظاهرو منظمة السلام الأخضر على متن سفينة أبحاث للشركة في المحيط الهادئ في أواخر العام الماضي.

لكن ربما تكون الشركة قد وجدت تذكرتها الرابحة مع مؤسسة الدفاع، فمنذ عام 2021، أنفقت ميتالز 680 ألف دولار على جماعات الضغط في واشنطن لمحاولة الدفاع عن التعدين في أعماق البحار، وفقاً لمجموعة OpenSecrets، وهي مجموعة غير ربحية تتعقب الأموال في السياسة. وبين عامي 2021 و2022، تم إنفاق معظم جهود الضغط هذه لتوضيح أن ميتالز ستقوم بتعدين المعادن مثل النيكل والكوبالت اللازمة لبطاريات السيارات الكهربائية وبالتالي لانتقال الطاقة.

وقال جيرارد بارون، الرئيس التنفيذي للشركة: "في عروضنا التقديمية منذ أكثر من عقد من الزمن، تحدثنا عن أمن الإمدادات". "إنه شيء لطالما تحدثنا عنه. وفيما يتعلق بالدفاع، فإن هذا يُظهر على نطاق واسع ما تنبهت له الولايات المتحدة."

لقاءات مع شركات التعدين

واجتمع قادة الكونغرس مع شركات التعدين في أعماق البحار مثل "ميتالز" (TMC) وشركة "ترانس أوشن" (Transocean) ومقرها هيوستن خلال العام الماضي لمناقشة التعدين في أعماق البحار، بهدف محدد هو معالجة المعادن على الشواطئ الأميركية.

وقال ويتمان: "لدينا قصور كبير في مجال المعادن الحيوية اللازمة لبناء أنظمتنا القتالية من السفن والطائرات والجوانب الأخرى للأشياء الحيوية للجيش"، "يمكن أن نكون تحت رحمة الصين إذا لم نرفع مستوى التحدي في أعماق البحار".

وفي نوفمبر، كتب خمسة جمهوريين من تكساس أيضاً رسالة إلى وزارة الدفاع يطلبون فيها التمويل لمعرفة ما إذا كان من الممكن لشركة "ميتالز" معالجة معادن أعماق البحار في الولاية، تحت إشراف إحدى الشركات التابعة لها، DeepGreen Resources. وفي الوقت نفسه، تواصل ميتالز العمل مع جماعات الضغط والسياسيين ومراكز البحث لمحاولة تعزيز طموحاتها في مجال التعدين في أعماق البحار.

لكن المعارضة لا تزال شرسة، وقد مارست مجموعات مثل "منظمة السلام الأخضر" و"الصندوق العالمي للطبيعة" ضغوطاً ضد التعدين في أعماق البحار لسنوات. حيث تقول هذه الجماعات إن مثل هذا النوع من التعدين من شأنه أن يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه لقاع البحر، وأن الموارد التي تستهدفها شركات التعدين هي موائل مهمة للحياة البحرية.

وقالت كاثرين تسانتيريس، مديرة العلاقات الحكومية في منظمة Ocean Conservancy، وهي منظمة غير ربحية للدفاع عن البيئة: "لا يمكن المبالغة في التأكيد على الضرورة الملحة لأزمة المناخ، لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجه نحو كارثة بيئية". وأضافت أن حجة مؤسسة الدفاع تخلق إحساساً زائفاً بإلحاح الحاجة إلى التعدين في أعماق البحار.

وقال أسميريت أشغيدوم، نائب المدير المساعد لمركز أبحاث الأمن العالمي في مختبر لورانس ليفرمور الوطني: "إن قاع البحر هو بالفعل نقطة اشتعال، ويمكن أن يصبح أكبر في المستقبل".

وقال أشغيدوم إن استخراج المعادن يميل إلى إثارة الصراعات، خاصة في أماكن مثل أميركا اللاتينية، كما أن "النهج غير التقليدي وغير المختبر" في التعدين في أعماق البحار يمكن أن يجعل الصراع أكثر شيوعاً.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com