logo
اقتصاد

إخفاقات متتالية تهز نظام مراقبة الملاحة الجوية الأميركي

إخفاقات متتالية تهز نظام مراقبة الملاحة الجوية الأميركي
طائرات «يونايتد إيرلاينز» في مطار نيوآرك ليبرتي الدولي، ولاية نيوجيرسي، الولايات المتحدة، 27 يناير 2025.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:6 مايو 2025, 04:40 م

كشفت سلسلة انهيارات في نظام مراقبة الحركة الجوية فوق «مطار نيوارك ليبرتي الدولي» في 28 أبريل عن هشاشة خطيرة في البنية التحتية لمراقبة الطيران في الولايات المتحدة، مما يسلّط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها «إدارة الطيران الفيدرالية» في ضمان سلامة الأجواء الأميركية.

لمدة 90 ثانية، اختفت صور الرادار التي تراقب أحد أكثر الأجواء ازدحاماً في البلاد، وتوقفت أجهزة الراديو، وفشلت الأنظمة الاحتياطية. واضطر المراقبون، العاجزون عن معرفة مواقع الطائرات، إلى التحرك سريعاً لتفادي الكارثة باستخدام التعليمات اليدوية والتقديرات.

أخبار ذات صلة

طرح عام مرتقب لـ«طيران ناس» السعودية تمهيداً لتوسّع الأسطول والوجهات

طرح عام مرتقب لـ«طيران ناس» السعودية تمهيداً لتوسّع الأسطول والوجهات

ورغم عدم وقوع تصادمات، تم تحويل مسار عشرات الرحلات وتأجيل مئات أخرى. وقد ترك الحادث المراقبين في حالة صدمة؛ أربعة منهم طلبوا إجازات لأسباب نفسية، وسادت حالة من القلق في إدارة الطيران الفيدرالية وقطاع الطيران.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، جاء هذا الحادث، الذي تبعه انقطاع آخر قصير في الاتصالات اللاسلكية بعد أيام، كأحدث مؤشر في سلسلة من الإخفاقات التي تكشف عن عقود من الإهمال في البنية التحتية الحيوية. حيث تضافرت المعدات القديمة، ونقص الكوادر، وانخفاض الاستثمارات لتشكّل نظاماً يصفه المسؤولون الآن بأنه على وشك الانهيار.

هشاشة تكنولوجية ومخاطر على السلامة

بدأ عطل 28 أبريل بسلسلة من الإخفاقات التقنية داخل منشأة في مدينة فيلادلفيا، كانت قد تولّت مؤخراً مسؤولية الإشراف على المجال الجوي لنيوارك. ويعتمد هذا النظام على إشارات رادارية واردة من موقع يقع على بُعد أكثر من 100 ميل في لونغ آيلاند، ما جعله عرضة لانقطاع الاتصالات وفشل الأجهزة. ونتيجة لذلك، اضطر المراقبون إلى إصدار تعليمات مرئية للطائرات، والاعتماد على أطقم الرحلات لتحديد مواقعها وتجنّب الاصطدامات من دون أي دعم راداري.

وقد ربطت إدارة الطيران الفيدرالية انقطاعاً سابقاً في نوفمبر، أدى إلى دخول طائرة شحن تابعة لشركة «فيديكس» (FedEx) إلى ممرات جوية مكتظة فوق نيويورك، بعطل في جهاز يُعرف باسم «وحدة التعدد» كان من المقرر استبداله بعد ساعات.

أخبار ذات صلة

شركات طيران عالمية تتجنب المجال الجوي الباكستاني وسط تصاعد التوترات

شركات طيران عالمية تتجنب المجال الجوي الباكستاني وسط تصاعد التوترات

ولا تُعد هذه الحوادث فردية، إذ يقر مسؤولو الإدارة بأنهم يتعاملون مع نحو 700 حالة انقطاع اتصالات أسبوعياً. ولا تزال معظم المرافق تستخدم خطوطاً أرضية من الأسلاك النحاسية، وتعتمد على شرائط طيران ورقية تُمرَّر يدوياً بين المراقبين. أما جهود التحول إلى أنظمة رقمية، فقد تعطّلت مراراً بسبب التأخير وتجاوزات الميزانية.

وقال وزير النقل الأميركي شون دافي في مقابلة حديثة: «نحن نضع لاصقاً على أنظمة قديمة جداً. نحن بحاجة إلى برنامج إصلاح شامل يعيد بناء النظام من جديد».

نقص في الكوادر وضغط متزايد

بالتوازي مع تقادم التكنولوجيا، يعاني النظام من نقص حاد في عدد المراقبين. إذ لا يوجد سوى 10,700 مراقب مؤهل، أي أقل بنحو 3,000 من المستوى المطلوب. ويعمل كثير منهم ستة أيام في الأسبوع ولمدة 10 ساعات يومياً، ما يفاقم الإرهاق والتوتر ومعدلات التسرب من الوظيفة، فيما يقترب نحو 500 من المراقبين الحاليين من سن التقاعد، ما ينذر بمزيد من التراجع في أعداد الكوادر خلال الفترة المقبلة.

ولتقليص الخسائر، أعلنت الإدارة مؤخراً عن حوافز بقاء بنسبة 20% للمراقبين المؤهلين للتقاعد. كما رُفع الحد الأدنى لأجور المتدربين الجدد في أكاديمية أوكلاهوما سيتي إلى ما يقارب 23 دولاراً في الساعة، مع وعود بتسريع التعيينات وتحسين الرواتب في المناطق ذات التكلفة العالية. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن النظام سيعاني سنوات إضافية دون تحسين ظروف العمل وتسريع التوظيف.

وبدأت الضغوط المتزايدة في بيئة العمل تنعكس في حوادث ملموسة؛ ففي مارس، اعتدى أحد المراقبين في «مطار ريغان الوطني» بواشنطن جسدياً على زميل له، بعدما رفض تولي مسؤولية متابعة حركة المروحيات. ولا تزال التحقيقات جارية في حادث التصادم القاتل الذي وقع في يناير بالمطار نفسه، وسط تساؤلات حول سبب ترك مراقب واحد مسؤولاً عن إدارة كل من الطائرات المروحية وثابتة الجناح في الوقت ذاته.

نظام تحت الضغط

مع وجود نحو 45 ألف رحلة جوية يومياً، يواجه نظام مراقبة الحركة الجوية في الولايات المتحدة ضغوطاً متواصلة. ورغم ذلك، أظهر تقرير لـ«مكتب المساءلة الحكومية» في 2023 أن نحو 75% من الأنظمة الـ138 التابعة للإدارة باتت قديمة أو غير قابلة للصيانة. ويشمل ذلك الرادارات، وبُنى الاتصالات، وأنظمة توجيه الطيران.

وبدأت الإدارة ببعض الإجراءات المؤقتة لتقليل المخاطر، منها مراجعة مسارات الرحلات حول المطارات المزدحمة، وإلغاء بعض ممرات المروحيات، وإبطاء حركة الطائرات الواردة بعد الانقطاعات الأخيرة. إلا أن هذه الخطوات تُعد مؤقتة.

أما خطة التحديث الشاملة التي طال انتظارها، والتي تتراوح تكلفتها بين 20 و40 مليار دولار، فستشمل استبدال البنية التحتية المتقادمة برادارات جديدة، وشبكات اتصالات مقاومة للأعطال، وأنظمة تتبع رقمية. وتتضمن الخطة توسيع التغطية بالأقمار الصناعية «ستارلينك» (Starlink) التابعة لشركة «سبيس إكس» (SpaceX) كخيار اتصالات احتياطي.

كما جاء بعض الدعم من القطاع الخاص، إذ أرسل إيلون ماسك مهندسين من «سبيس إكس» للمساهمة في تحسينات فنية لدى الإدارة، وكان توصيفهم واضحاً: «ينبغي الخروج من شبكة الاتصالات الحالية في أسرع وقت ممكن». وبينما يقر مسؤولو الإدارة بمعرفتهم بالمشاكل مسبقاً، فإن قدرتهم على التحرك أعاقتها سنوات من نقص التمويل والشلل السياسي.

تحرك الكونغرس والدعم السياسي

كانت إدارة بايدن قد طلبت في سبتمبر الماضي تخصيص 8 مليارات دولار لهذه التحديثات، لكن الكونغرس لم يتخذ خطوات حاسمة بعد. ويخصص مشروع قانون الإنفاق الحالي في مجلس النواب نحو 12.5 مليار دولار للبنية التحتية للطيران، إلا أن مسؤولي النقل يرون أن المبلغ غير كافٍ، ويجب الإسراع بصرفه.

ورغم أن بعض المشرعين لا يزالون يشككون بسبب التأخيرات السابقة وضعف الرقابة، إلا أن سلسلة الحوادث الأخيرة قد تغير من أولوياتهم. ففي 28 أبريل، اضطرت رحلة لشركة «يونايتد» (United) قادمة من سان فرانسيسكو إلى تغيير مسارها بعد الدوران فوق بنسلفانيا لمدة تقارب الساعة. وأكدت الشركة لاحقاً أنها حولت 37 رحلة، وألغت نحو 100 أخرى في ذلك اليوم.

وفي حادثة قريبة أخرى الأسبوع الماضي، اقتربت مروحية عسكرية متجهة إلى البنتاغون من طائرة ركاب تابعة لـ«خطوط دلتا إيرلاينز» (Delta Air Lines) بمسافة نصف ميل فقط. وقد قرر الجيش تعليق عمليات الطيران المشابهة مؤقتاً إلى حين مراجعة الوضع.

تحذيرات من داخل الأبراج

ربما كان أكثر تقييم صادم للوضع قد صدر من داخل برج المراقبة نفسه، وليس من الساسة. ففي تقرير داخلي للإدارة بعد حادث قريب في 30 أبريل، كتب أحد المراقبين: «الوضع غير آمن، كان كذلك، ولا يزال كذلك. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يموت الكثير من الناس. كمية الضغط التي نعيشها لا تُحتمل».

ومع اقتراب موسم السفر الصيفي، تتصاعد الضغوط على إدارة الطيران الفيدرالية للتحرك بسرعة. إذ إن الأعطال التقنية، ونقص الموظفين، والمخاطر المتزايدة تشير جميعها إلى أن نظام مراقبة الحركة الجوية في الولايات المتحدة بات يحلق على حافة أزمة حقيقية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC