
أما بالنسبة للمنظمين، بقيادة الكرملين، فإن الأمر يتعلق، اليوم كما كان الحال في الماضي، باستعراض روسيا الحديثة، التي تتسم بالكفاءة والفخر بهويتها، ويشكل الهدف غير المعلن من هذا المنتدى خلفية لترشيح وإعادة انتخاب فلاديمير بوتين، دون أي عائق في شهر مارس المقبل لولاية خامسة وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
ويصل الزوار إلى موقع المعرض عبر نفق يشبه مسرحا مبطنا بالشاشات. وهناك تسع وثمانون منطقة في البلاد، بما في ذلك الأراضي التي ضمتها من أوكرانيا، لها أجنحتها الخاصة، وتتنافس في أنشطة رقمية تفاعلية تنذر بدولة مستقبلية، دون أن تخلف الحرب في أوكرانيا أي عواقب عليها.
ولكن في الواقع، تبدو الصورة أكثر تناقضاً مع الوضع الاقتصادي الذي بالتأكيد لا يزال يتمتع بالمرونة في هذه المرحلة، لكنه غير متوازن وسيكون ضعيفا بشكل ملحوظ على المدى الطويل.
وتقول الخبيرة الاقتصادية ناتاليا زوباريفيتش أن التكيف مع العقوبات الغربية، سار بشكل أفضل من المتوقع، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى النمو المذهل في ميزانية الدفاع (توقعات بنسبة 68% لعام 2024).
وعندما تتحدثت الأخيرة عن التكيف مع العقوبات، يجب أن نفهم إعادة توجيه التدفقات التجارية، مع الصين وتركيا ودول الخليج وغيرها، وكذلك التحايلات التي سمحت لروسيا بمواصلة الاستفادة من الأجهزة اللازمة لصناعتها وبيع نفطها.
والنتيجة هي نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي يُحسد عليه في أوروبا الغربية. وأشار رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين مؤخراً إلى أن نمو الاقتصاد الروسي بلغ 5% في سبتمبر الماضي، و2.8% على مدى الأشهر التسعة الأولى من العام.
وبحسب وزارة التنمية الاقتصادية، يمكن أن يبقى هذا النمو 2.8% في عام 2023، وهو أعلى من تقديرات صندوق النقد الدولي (2.5%).
وتقول ناتاليا زوباريفيتش، التي لاحظت زيادة (في سبتمبر) في الصناعة التحويلية بنسبة 6% "إن المجمع الصناعي العسكري هو الذي يسمح لنا بهذا النمو في الناتج المحلي الإجمالي".
وفي هذا السياق، ارتفعت الأجور الاسمية في يناير ويوليو 2023 بنسبة 13%، مع الأخذ في الاعتبار على وجه الخصوص ندرة العمالة التي تمت تعبئتها على الجبهة أو غادرت البلاد.
ومع تشغيل الصناعة العسكرية بكامل طاقتها، الثروة الهيدروكربونية تشكل المفتاح الآخر لمرونة الاقتصاد الروسي.
ومع فرض العقوبات في وقت متأخر، في نهاية عام 2022، تمكنت روسيا العام الماضي من مراكمة فائض تجاري قدره 232 مليار دولار.
وبطبيعة الحال، انخفضت عائدات النفط والغاز بنسبة 38% بين يناير وأغسطس.
لكن عائدات النفط (ومنتجاته المشتقة) بلغت 18.3 مليار دولار في أكتوبر، وفق بلومبرغ.
وفي الواقع، تواصل روسيا تداول نفطها بسعر 74 دولاراً للبرميل، وهو أعلى بكثير من السعر الذي حددته دول مجموعة السبع (60 دولارا) للحد من الموارد التي تضخها موسكو في المجهود الحربي.
ويتساءل الخبير الاقتصادي سيرجي جورييف من معهد العلوم السياسية في باريس : "السؤال هو ما إذا كان الغرب مستعداً لتهديد الهند والصين بعقوبات ثانوية" . وأجاب:" لا يريد الغرب حتى الآن أن يسمم علاقاته مع الدول الأخرى".
ومن ناحية أخرى، فانهيار إمدادات الغاز إلى أوروبا يهدد بعواقب أكثر خطورة بالنسبة لشركة غازبروم، التي تعاني حالياً من وضع مالي سيئ.
كما أدرجت الولايات المتحدة للتو في عقوباتها ـ مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع استراتيجي للغاز الطبيعي المسال في روسيا.
"إلى متى يمكن أن يستمر الأداء الجيد للاقتصاد الروسي؟" تتساءل ناتاليا زوباريفيتش، التي ترى بدايات بعض التباطؤ.
ويجيب سيرجي جورييف: "إن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بفضل الإنفاق العسكري، لا تزيد من نوعية الحياة أو إمكانية النمو".
وبحسب المرصد الفرنسي الروسي، ومقره موسكو، فإن روسيا ستكون قادرة على مواصلة جهودها الحربية "حتى حلول عام 2025 على الأقل".
لكن أسئلة كثيرة تطرح على المدى المتوسط. "من المرجح أن تظهر التكلفة الحقيقية للصراع في أوكرانيا خلال الفترة الثانية من العقد.