يحل الظلام كل ليلة وتجف صنابير المياه في العاصمة الإيرانية طهران في ظل أزمة طاقة ومياه متفاقمة، مع انقطاعات يومية للكهرباء والمياه امتدت لمحافظات عدة، وسط تحذيرات رسمية من اتساع الأزمة خلال الأشهر المقبلة.
ويرى خبراء أن الحلول الممكنة، مثل تحلية مياه البحر أو الاستثمار في الطاقة المتجددة، تحتاج لسنوات وتمويلات بمليارات الدولارات، معظمها غير متاح أو مجمد بفعل العقوبات الدولية.
منذ مطلع أغسطس، أصدرت السلطات الإيرانية قرارات بإغلاق مبان حكومية ومصرفية في طهران وعدد من المحافظات، للحد من استهلاك الكهرباء مع موجات الحر الشديد، كما حذرت الرئاسة الإيرانية من نقص مياه حاد بحلول سبتمبر، في ظل تراجع مخزون السدود إلى أدنى مستوى منذ قرن، وفق وسائل إعلام محلية.
الدكتور نهاد إسماعيل، الخبير في الاقتصاد الدولي واقتصاديات الطاقة، أوضح لـ«إرم بزنس» أن عدد سكان إيران تضاعف ثلاث مرات منذ 1969 ليصل إلى أكثر من 90 مليون نسمة، بينما فشلت البنية التحتية في مواكبة الطلب المتزايد، وأشار إلى وجود عجز كهربائي يبلغ 30 ألف ميغاواط، مع اعتماد 85% من الإنتاج على الوقود الأحفوري، و13% على الطاقة المائية، و2% فقط على المصادر المتجددة.
وفي ملف المياه، لفت إسماعيل إلى أن 80% من خزانات المياه جافة، في ظل غياب خطط فعالة للري، ما يضغط على القطاع الزراعي ويرفع الأسعار، في وقت يتجاوز فيه التضخم 40%، وأكد أن العقوبات الدولية وسوء الإدارة المزمن فاقما الأزمة التي كان من الممكن التخفيف منها منذ التسعينيات عبر مشروعات مبكرة لتحلية المياه وإعادة التدوير وترشيد الاستهلاك.
الدكتور أوميد شكري، الخبير الاستراتيجي في الطاقة والزميل الزائر بجامعة جورج ميسن الأميركية، يتوقع أن تؤثر أزمة الطاقة المستمرة مباشرة على الإنتاج الصناعي، حيث تعمل 30% إلى 50% من المصانع بطاقة منخفضة أو أغلقت أبوابها، خصوصاً في قطاعات الصلب والأسمنت والبتروكيماويات، ما يكلف الاقتصاد مليارات الدولارات سنوياً.
وأضاف متحدثاً لـ «إرم بزنس» أن العجز في الكهرباء والغاز والوقود المكرر أدى إلى تعطيل الخدمات العامة، ورفع تكاليف الإنتاج، وزيادة التضخم والفقر، في وقت تواصل فيه الحكومة إنفاق مليارات الدولارات على دعم الطاقة واستيراد البنزين لتعويض النقص المحلي.
وأشار شكري إلى أن نقص الغاز أجبر محطات الطاقة على استخدام المازوت عالي التلوث، ما يضيف خسائر اقتصادية بين 12 و20 مليار دولار سنوياً نتيجة الأضرار الصحية والبيئية.
يرى شكري أن معالجة الأزمة تتطلب استراتيجية متعددة المحاور تشمل تحديث البنية التحتية، إصلاح نظام الدعم الحكومي، رفع أسعار الطاقة للحد من الهدر، وتوسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما دعا لتعزيز التعاون الإقليمي لتأمين واردات الغاز، وحل العوائق الدبلوماسية التي تعرقل ذلك.
وأكد أن تنويع مزيج الطاقة، وتحسين الكفاءة، وزيادة الشفافية، والحد من الفساد، واستقرار السياسات، عوامل ضرورية لجذب الاستثمارات وتسريع الإصلاحات، لكنه حذر من أن أي خطوة لرفع الدعم الحكومي قد تواجه بردود فعل اجتماعية حادة، ما يستدعي نهجاً تدريجياً ومتوازناً.
ومع ذلك، تواجه الحكومة مفاضلة صعبة، فالإلغاء التدريجي للدعم الحكومي يُخاطر بردود فعل اجتماعية سلبية، بينما يُرسّخ استمراره انعدام الكفاءة ويُطيل أمد الأزمة، وفق شكري، مقترحاً «اتباع نهج مدروس بعناية، يجمع بين الاستثمار في البنية التحتية، وإصلاحات السوق، وحماية البيئة، والالتزام السياسي المستدام للخروج من هذا التحدي المعقد والمتصاعد في مجال الطاقة».
ومنذ ديسمبر 2024، اضطرت السلطات إلى تقليص ساعات العمل في مؤسسات حكومية ومدارس، وفرض تقنين الكهرباء على المصانع، وتسببت موجات الحر في يوليو وأغسطس بزيادة الانقطاعات، مع احتجاجات شعبية متكررة ضد سوء الخدمات.
كما طالت خطة الانقطاع بعض المقار الدبلوماسية في طهران، حيث تشهد ثلاث سفارات انقطاعاً يومياً للكهرباء لساعتين، وفق وكالة «فارس»، وفي ملف المياه، حذّر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أن أزمة المياه «أكثر خطورة مما يتم التحدث عنه»، داعياً إلى قرارات عاجلة قبل الوصول إلى مرحلة «لا يمكن علاجها».
وتشير بيانات شركة إدارة الموارد المائية إلى أن أكثر من 75% من سعة التخزين في 26 سداً رئيساً باتت فارغة، ما يفاقم من حدة التحديات أمام الحكومة في الأشهر المقبلة.