مطالب بخطة لشراء فائض الطاقة من العراقيين لتعزيز الشبكة
يعاني العراق، أحد أكبر منتجي النفط في منظمة «أوبك»، من أزمة كهرباء مزمنة تهدد حياة المواطنين، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة القياسية التي تجاوزت 50 درجة مئوية في صيف 2025، وارتفاع الطلب على الكهرباء إلى 55 غيغاواط، بينما لا تتجاوز الإمدادات 27 غيغاواط.
في ظل هذا النقص، لجأ العراقيون إلى الطاقة الشمسية كحل بديل، في وقت تتجه فيه البلاد نحو توفير تمويل للمواطنين لتشجيعهم على استخدام هذه التقنية.
في يونيو 2025، أعلن مصرف الرشيد العراقي عن إطلاق قروض خاصة لشراء منظومات الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية) للمواطنين والموظفين، بتمويل مباشر من البنك المركزي العراقي، وبمبلغ يصل إلى 30 مليون دينار (نحو 22.8 ألف دولار) كحد أقصى.
ذكر المصرف في بيان أن هذه المبادرة تأتي دعماً لمشاريع الطاقة النظيفة والمستدامة، وتماشياً مع توجهات الدولة لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وتحقيق التنمية البيئية والاقتصادية.
لكن في المقابل، أدى هذا التحول إلى ظهور سوق سوداء تتحكم في أسعار الألواح الشمسية وتكاليف تركيبها، ما يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود.
يضاف إلى ذلك أزمة المياه والتغير المناخي، اللذان يزيدان من حدة التحديات في بلد عانى من تداعيات الغزو الأميركي عام 2003 وعدم الاستقرار السياسي.
تعود أزمة الكهرباء في العراق إلى عقود من سوء الإدارة وتدهور البنية التحتية للطاقة.
رغم ثرواته النفطية، يعتمد العراق على استيراد الغاز والكهرباء من إيران بنسبة تصل إلى 40% من احتياجاته الكهربائية، لكن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء الإعفاءات التي تتيح للعراق دفع مستحقات إيران، زاد من تعقيد الأزمة.
هذا القرار، الذي يهدف إلى الضغط على طهران، أدى إلى تقليص إمدادات الغاز الإيراني إلى 8 ملايين متر مكعب يومياً منذ نوفمبر 2024، مقارنة بـ50 مليون متر مكعب متفق عليها.
إضافة إلى ذلك، أدى التغير المناخي إلى ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 إلى 5 درجات فوق المعدل خلال العقود الماضية، ما زاد الطلب على الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف.
يأتي ذلك بجانب أزمة المياه، الناتجة عن انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات؛ بسبب الجفاف، وسوء إدارة الموارد المائية، والتي بدورها زادت من الضغط على القطاع الزراعي، الذي يعتمد أيضاً على الكهرباء للري.
هذه العوامل مجتمعة جعلت الشبكة الوطنية غير قادرة على تلبية الطلب، ما دفع المواطنين إلى البحث عن بدائل.
في ظل انقطاعات الكهرباء التي تصل إلى 12 ساعة يومياً خلال فصل الصيف، لجأ العراقيون إلى الطاقة الشمسية كحل بديل.
ووفقاً لوزارة الكهرباء العراقية، تهدف الحكومة إلى إنتاج 12 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، مستفيدة من أكثر من 3000 ساعة سطوع شمسي سنوياً.
هذا التوجه شجع المزارعين وأصحاب المنازل في مناطق مثل نينوى والموصل على تركيب الألواح الشمسية لتشغيل أنظمة الري وتلبية الاحتياجات المنزلية.
يقول أبو محمد، وهو مزارع قمح في نينوى، لـ«إرم بزنس»: «كانت فاتورتي الشهرية للمولدات 850 ألف دينار (نحو 650 دولاراً)، وبعد تركيب الألواح الشمسية، أصبحت أدفع 65 ألف دينار (50 دولاراً) فقط».
هذا التحول لم يخفض الفواتير فحسب، بل وفّر كهرباء مستقرة، على عكس الشبكة الوطنية التي تعاني من الانقطاع المستمر.
فيما يؤكد عبد العزيز الناصري، مهندس زراعي من الموصل، لـ«إرم بزنس»، أن التحول إلى الطاقة الشمسية غيّر حياته، إذ أصبحت فواتير الكهرباء منخفضة بشكل لا يقارن.
تشهد أسعار الألواح الشمسية في العراق استقراراً نسبياً مع انخفاض طفيف بنسبة 3% في عام 2025، بفضل المنافسة بين الألواح الصينية وأخرى محلية الصنع.
وفقاً للمهندس المتخصص في إحدى شركات الطاقة الشمسية، عباس الراوي، فإن الألواح المحلية أصبحت منافساً قوياً للصينية من حيث الجودة والسعر، بفضل غياب تكاليف الضرائب والنقل.
عن التكلفة، يقول الراوي: «إنها تختلف من نوعية إلى أخرى، إذ تصل تكلفة النظام الشمسي المتوسط (5-6 كيلوواط) بين 5 و10 ملايين دينار (3816-7632 دولاراً)، وهي تكلفة باهظة للأسر ذات الدخل المتوسط. ومع ذلك، يستعيد المستخدمون هذه التكلفة خلال 1-3 سنوات بفضل انخفاض فواتير الكهرباء وتجنب تكاليف مولدات الديزل، التي تتراوح بين 50 و100 ألف دينار (38-76 دولاراً) شهرياً».
بحسب الراوي، تعتمد أسعار الألواح الشمسية على النوعية (صينية – أو ألمانية – أو محلية) وقوتها، فمثلاً يبدأ سعر لوح شمسي من نوع (مونوكريستالين) بقدرة 150 واط من 80 إلى 120 دولاراً، فيما يتراوح سعر لوح آخر بقدرة 450 واط بين 260 و400 دولار.
على الرغم من الإقبال المتزايد على الألواح الشمسية، إلا أن ذلك أدى إلى ظهور سوق سوداء تتحكم في الأسعار والجودة.
يحذر الخبير البيئي رياض الدباغ من انتشار معدات شمسية رديئة الصنع تُباع بأسعار مرتفعة، ما يضر بالمستهلكين.
ويؤكد أن أفضل المنتجات في السوق هي الألواح الألمانية، لما تتميز به من دقة في تصنيع السيلكون وكثافة عالية، إضافة إلى متانتها وعدم تعرضها للعطب السريع.
وتنشط هذه السوق بشكل خاص في المناطق الريفية مثل نينوى والبصرة، حيث يقيم نحو 70% من عملاء شركات الطاقة الشمسية، ويستغل التجار غير المنظمين ضعف الرقابة الحكومية لبيع الألواح بأسعار قد تصل إلى ضعف السعر الفعلي، ما يثقل كاهل الأسر.
يؤكد ذلك محمد القطان، مدير شركة «موصل سولار»، في تصريح سابق، قائلاً: «الإقبال على الألواح الشمسية ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، لكن غياب التنظيم يسمح للبعض باستغلال حاجة الناس».
يضيف: «هذه التجارة غير القانونية لا تقتصر على الألواح، بل تشمل أيضاً بطاريات ومعدات رديئة تهدد سلامة الأنظمة».
كحل لضبط الأمور في مسارها الصحيح، يقترح الدباغ أن تطبق الحكومة «خطة القياس الصافي»، وهي آلية لحساب الفائض من الكهرباء وشرائه أو إعادة بيعه أو توزيعه.
وتتيح هذه الخطة للدولة شراء الكهرباء الفائضة التي توفرها الألواح الشمسية من المواطنين وإعادة توزيعها، بحيث يستفيد المواطن العراقي من المقابل المالي لدعم أسرته، وفي الوقت نفسه تستفيد الدولة من الفائض الذي يضيع هباءً في إعادة ضبط منظومة الكهرباء.
يكمل الدباغ حديثه لـ«إرم بزنس» قائلاً: «من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية تشمل التشجيع على الاستثمار في الطاقة الشمسية، وفرض غرامات على التجاوزات على الشبكة، فالكهرباء سلعة تجارية يجب أن تغطي تكاليفها، والدعم يجب أن يقتصر على الفئات المستحقة».
وتظل أزمة الكهرباء في العراق تحدياً معقداً يتطلب إصلاحات جذرية وإرادة سياسية قوية.
ويجمع المسؤولون والخبراء على أن الطاقة الشمسية، رغم كونها حلاً واعداً، إلا أنها تواجه عقبات تتمثل في السوق السوداء ونقص التنظيم، ويبقى السؤال: هل تستطيع الحكومة العراقية استغلال مواردها الشمسية لتحقيق الاستدامة، أم ستظل الأزمة والسوق السوداء تتحكمان في حياة العراقيين؟