سوريا ستجني رسوم عبور عن كل برميل يمر في أراضيها عبر التصدير
خط نفطي يتجاوز عمره سبعة عقود، ومتوقف منذ 2003، خط نفط «كركوك - بانياس» يعود إلى الواجهة بين العراق وسوريا خلال زيارة وزير الطاقة السوري محمد البشير العراق في الأيام الماضية.
واتفق الجانبان على تشكيل لجنة من مهامها تقييم الحالة الفنية للأنبوب المتوقف منذ سنوات وتقديم التوصيات بشأن إعادة تشغيله للجهات المختصة.
عودة خط «كركوك - بانياس» للعمل ستعود بالفوائد على حكومتي دمشق وبغداد.
فمن جهة ستؤمن بغداد منفذاً جديداً لصادراتها النفطية على البحر المتوسط، حيث تقتصر في الوقت الحالي على منطقة آسيا.
ولطالما كان الخط منفذاً حيوياً لصادرات النفط العراقي إلى المتوسط وساهم في تدفقه إلى اسواق أوروبا خلال سنوات عمله.
وفي العام 1960 كان يمر عبر الخط نصف صادرات العراق النفطية، وبلغت صادرات خط «كركوك - بانياس» قبل إغلاقه 260 ألف برميل يومياً.
وتمنح عودة خط «كركوك - بانياس» العراق مرونة أكبر وتنويعاً لمنافذ التوريد، كما يقلل التكلفة والوقت مقارنة بنقل النفط بحراً عبر الخليج.
الباحث الاقتصادي في جامعة أنگليا روسكن البريطانية، زياد الهاشمي، قال لـ«إرم بزنس» إن اقتصاد النفط العراقي يعاني من مشكلتين جوهريتين:
وأوضح أن أنبوب «كركوك - بانياس» من أفضل الخيارات الجيواقتصادية المتاحة للعراق، لقرب ميناء بانياس من الأسواق الأوروبية والأميركية، ولما يتيحه من خفض تكلفة النقل بنحو أربعة دولارات، وتقليص زمن الشحن من 14 يوماً إلى نحو أربعة أيام فقط عبر قناة السويس، ما يمنح النفط العراقي ميزة تنافسية ويرفع حصته السوقية.
سعي بغداد لإعادة إحياء خط «كركوك - بانياس» جزء من خطة أوسع تشمل إعادة إحياء خط «البصرة – العقبة»، وإحياء خط «كركوك - طرابلس»، وخط قديم متوقف مع السعودية.
وبات تنويع المنافذ النفطية حاجة عراقية ملحة، خاصةً بعد إغلاق خط «جيهان – كركوك» الذي يربط بين العراق وتركيا منذ 2003.
وقال الهاشمي، إن العراق يعتمد بشكل شبه كامل على مبيعات النفط، ولا يملك صناديق أو استثمارات خارجية تغطي احتياجاته المالية الضخمة لشعبه واسع التعداد، ما يجعل أي توقف في التصدير عبر الخليج تهديداً مباشراً لاقتصاده.
أما بالنسبة لسوريا، تكمن الأهمية الاقتصادية بتوفير مصدر نفطي ثابت، وتكلفة أقل من الأسعار العالمية.
كما يمكن لسوريا الاستفادة من تكرير النفط العراقي في مصفاة بانياس أو مصفاة حمص للحصول على المشتقات النفطية بدل استيرادها، إضافة إلى تحريك عدة قطاعات داخل سوريا وتوفير آلاف الفرص للعمل وخلق العوائد، بحسب الهاشمي.
وإلى جانب ذلك، ستجني سوريا رسوم عبور عن كل برميل يمر في أراضيها عبر التصدير، وبالتالي سيكون مورداً إضافياً للعملة الصعبة.
وبلغت عائدات سوريا من رسوم عبور الخط 42 مليون دولار العام 1967.
كما أن تشغيل الخط، وتحسين البنية التحتية في ميناء بانياس يحول سوريا إلى مركز إقليمي لنقل النفط.
رغم الفوائد الذي سيعود بها تشغيل خط «كركوك - بانياس» على سوريا والعراق، إلا أن هناك انعكاسات سلبية على تركيا التي تمتلك خط «كركوك - جيهان» المنافس.
بالتالي فإن إعادة إحياء الخط، ستقلل اعتماد بغداد على الخط التركي، ويُخسر أنقرة رسوم الترانزيت التي كانت تجنيها من عبور البراميل النفطية العراقية، علماً أن خط «كركوك - جيهان» متوقف منذ 2023.
وأوضح الهاشمي أن تركيا، ورغم رغبتها بمنح سوريا فرصة لدخول قطاع نقل وتصدير الطاقة، قد ترى في أنبوب بانياس منافساً مباشراً لأنبوب جيهان، ما يجعلها غير متحمسة لإعادة إحيائه من دون ترتيبات مسبقة معها.
لذلك، يمكن للمفاوضين العراقي والسوري طرح هذا الملف مع الجانب التركي بهدف إيجاد حلول متوازنة، مثل تقسيم حصص التصدير بين الأنبوبين.
غير أن نجاح هذا الخيار يبقى مرهوناً بقدرة العراق على توسيع قاعدة زبائنه في الغرب، والدخول إلى أسواق جديدة تتيح تدفق مزيد من النفط عبر المسارين.
مع سنوات التوقف الطويلة منذ 2003، تدهورت الحالة التقنية لخط «كركوك - بانياس» بشكل كبير.
وتشير التقارير إلى أن أضرار جسيمة لحقت بأجزاء واسعة من الأنبوب نتيجة الحروب والإهمال.
في الجانب العراقي، تعرضت المقاطع للتخريب والسرقة خلال سنوات الانفلات الأمني بعد 2003، أما في الجانب السوري فبعض مناطق مرور الخط، خاصة في البادية الشرقية، شهدت معارك عنيفة، ما أدى إلى تهتك أجزاء منه.
إضافة إلى ذلك، يطرح تقادم المعدّات تحدياً، حيث تعرضت للتآكل والعوامل البيئية على مدار أكثر من 20 سنة من عدم الصيانة، يُقدّر خبراء أن تكلفة إعادة تأهيل الخط قد تتجاوز 400 مليون دولار بسبب حجم الإصلاحات المطلوبة.
أمام هذه التحديات، يدرس الفنيون خيارين: إصلاح الخط القديم أو بناء خط جديد موازٍ.
قد يكون مد خط حديث أقل تكلفة في بعض المقاطع من محاولة صيانة أنبوب عمره 70 عاماً تضرر بشدة، لكن بناء خط جديد يتطلب وقتاً وتنسيقاً أكبر، وربما مواجهة عقبات لوجستية وأمنية أثناء الإنشاء.
ولفّت الهاشمي إلى أن إنجاز المشروع يتطلب دراسة جدوى شاملة، وضمانات دولية أو وساطة طرف ثالث للتأمين ضد المخاطر، ومساراً آمناً مزودًا بمحطات ضخ وحماية فنية، إضافة إلى اتفاق حكومي ملزم بين بغداد ودمشق يحدد الملكية والحقوق والرسوم وآليات حل النزاعات.
بدأ مشروع خط «كركوك - بانياس» في أوائل الخمسينيات ضمن جهود شركة نفط العراق (IPC)، وهي تحالف شركات غربية، لتصدير النفط العراقي عبر البحر المتوسط بعد توقف الخط الممتد إلى حيفا العام 1948.
وكان ورقة ضغط سياسية، وضحية للتوترات السياسية بين الدول، ففي العام 1956 خلال أزمة قناة السويس، تعرض الخط للتخريب بالقنابل ما أدى إلى توقف الضخ.
وفي العام 1976 تم إغلاق الخط بسبب توترات بين الحكومتين السورية والعراقية آنذاك، ليعود إلى العمل جزئياً بين عامي 1978 و 1981.
وفي العام 1982، مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية توقف الخط عن العمل تماماً، وبقي متوقفاً حتى الثمانينات.
ولجأ العراق إلى تصدير نفطه عبر تركيا والسعودية، ليعود الخط إلى العمل بحلول العام 2000 عند فرض العقوبات الأميركية على العراق، حيث كان الخط منفذاً وحيداً للالتفاف على العقوبات.
وفي حرب العام 2003 تعرض الخط للقصف خلال العمليات العسكرية الأميركية، ما أدى إلى أضرار جسيمة وتوقف منذ ذلك الحين.
وفي ديسمبر 2007 تم توقيع اتفاق بين بغداد ودمشق لتأهيل الخط بمساعدة شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية، لكنه فشل لاحقاً حيث لم تباشر الشركة العمل، وأُلغي العقد في 2009.
وفي سبتمبر 2010، بدل ترميم الخط القديم المكلف، أبرم البلدان اتفاقاً لبناء خطَّي نفط جديدين يربطان كركوك ببانياس.
كان المخطط إنشاء خطين بطاقة ضخمة، الأول بسعة 1.5 مليون برميل/يومياً للنفط الثقيل، والثاني 1.25 مليون برميل/يومياً للنفط الخفيف.
إلا أن هذه المشروعات لم تُنفذ بسبب اندلاع الأزمة السورية العام 2011 وما أعقبها من عقوبات وعزلة دولية على سوريا.