الدين العام قد يقفز إلى 62%.. والنفط لا يزال مصدر الدخل شبه الوحيد
مستشار الكاظمي: دعم حكومي يوازي 20% من الإنفاق العام ويكبح التضخم
طرح صندوق النقد الدولي مطالب عدة علناً عقب مراجعته الدورية لاقتصاد العراق، ركزت على تنويع الإيرادات، وزيادة الجانب غير النفطي، وضبط فاتورة الأجور الحكومية، ومراجعة خطط الإنفاق، إلى جانب إصلاح نظام التقاعد وتحسين تحصيل فواتير الكهرباء.
لكن تلك المطالب، بحسب مسؤول عراقي وخبير مالي تحدثا لـ«إرم بزنس»، تندرج ضمن المادة الرابعة من اتفاقية صندوق النقد، ولا تُعد التزامات أو شروطاً. وأكدا أن الإصلاحات في العراق «ماضية ولم تتوقف»، وأن الحكومة «قادرة عبر الإجراءات والقوانين على معالجة أي خلل اقتصادي».
وقال صندوق النقد في تقرير صدر في 20 يوليو الجاري إن العراق بحاجة إلى تنفيذ إصلاحات جوهرية لتعزيز الإيرادات غير النفطية والحد من الاعتماد على النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات الدولة.
وشملت التوصيات أيضاً ضبط فاتورة الأجور العامة، ومراجعة خطط الإنفاق الجاري والاستثماري لعام 2025، إلى جانب إصلاح نظام التقاعد من خلال رفع سن التقاعد، وتسريع جهود تحسين إصدار وجمع فواتير الكهرباء.
وفي تعليقه على التقرير، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، لـ«إرم بزنس»، إن التقرير يأتي في سياق المراجعة السنوية المعروفة باسم المادة الرابعة، التي لا تتضمن أي التزامات أو شروط، بل تصدر عنها توصيات تستند إلى مناقشات فنية مع السلطات الوطنية، وتُستخدم لاحقاً في التقييم العام أو عند طلب الاقتراض.
وأوضح صالح أن حكومة العراق ماضية في إصلاحات «حققت نتائج مهمة»، خصوصاً على مستوى ضبط معدلات التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي رغم التحديات.
وحول آليات السيطرة على التضخم، أوضح صالح أن الحكومة اعتمدت في سياستها الاقتصادية على ركيزتين أساسيتين:
الأولى تتعلق بالدور الحيوي للسياسة المالية في توفير دعم واسع للنشاطات الاقتصادية، سواء كانت إنتاجية أو استهلاكية أو استثمارية، إضافة إلى دعم البرامج الاجتماعية. أما الثانية فتتمثل في استقرار السياسة النقدية، وتحقيق توازن في السوق المالي.
وأضاف: «يُقدر الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر بنحو يزيد على 20% من إجمالي الإنفاق السنوي العام، وهو رقم يتوافق مع أهداف المؤشر الإصلاحي الذي يتبناه البرنامج الحكومي برفع الإيرادات العامة غير النفطية إلى النسبة ذاتها، بهدف تحقيق التوازن بين الاستقرار السعري واحتواء التضخم».
وأشار مستشار رئيس الوزراء إلى أن السياسة النقدية استطاعت تحقيق استقرار في القيمة الخارجية للدينار العراقي، مع توفير تغطية بالعملة الأجنبية للعملة المصدرة تزيد على 130%، بسعر صرف ثابت. ومع ذلك، لم تتوقف تلك السياسة عن السعي لإصلاح السوق المصرفية وتحديث النظام المالي بما يتوافق مع معايير الامتثال العالية، وخفض المخاطر، وتعزيز الشمول المالي الرقمي عبر استراتيجيات أطلقها البنك المركزي.
وتابع أن انخفاض معدلات التضخم السنوي إلى نحو 3% يجري بالتوازي مع برنامج وطني إصلاحي يقوم على مبادئ الاستقرار العام، وبناء دولة المؤسسات والتنمية المستدامة.
تقرير صندوق النقد الدولي أشاد بـ«نجاح بغداد في الحفاظ على الاستقرار الداخلي رغم التوترات الإقليمية»، وأشار إلى أن التضخم في العراق بقي منخفضاً، كما نجح البنك المركزي العراقي في الانتقال الكامل إلى نظام تمويل التجارة الجديد، ما أسهم في تقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي.
كما أحرز العراق، وفق التقرير، تقدماً في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتحسين مؤشر مدركات الفساد، إلى جانب البدء في دراسة خيارات إصلاحية لتعزيز القطاع المصرفي الخاص.
وعلى خلفية هذه التطورات، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العراقي في عام 2025 إلى 3.1%، مقارنةً بتوقع سابق بانكماش نسبته 1.5% في تقرير أبريل الماضي.
من جانبه، أوضح الخبير المالي في معهد الإصلاح الاقتصادي ببغداد، علاء الفهد، لـ«إرم بزنس»، أن توصيات صندوق النقد تُعد «مؤشراً إيجابياً على أن العراق يسير في الاتجاه الصحيح»، وأن إشادة التقرير بالحفاظ على نسب التضخم والنجاح في السياسات النقدية يعكس استقراراً ملحوظاً في الأداء الاقتصادي رغم الأوضاع الإقليمية الصعبة.
وأشار إلى أن هناك تواصلاً مستمراً بين الحكومة العراقية والصندوق لمراجعة التوصيات ومعالجتها ضمن السياسات الوطنية، موضحاً أن أبرز التوصيات -مثل تعديل سن التقاعد وتقليص الاعتماد على النفط- «قابلة للنقاش، وليست التزامات كما هو الحال في دول خضعت لبرامج إقراض مشروطة».
وشدد الفهد على أن العراق لم يقترض من صندوق النقد الدولي منذ سنوات، وهو يعتمد حالياً على الاقتراض الداخلي فقط. وأكد أن «العلاقة بين العراق والصندوق مستقرة ومبنية على تقييم السياسات لا على فرض الشروط»، مشيراً إلى أن العراق غالباً ما يستجيب للتوصيات عبر تشريعات أو إصلاحات مالية ومصرفية وترشيد في النفقات ومحاربة الفساد.
وقال: «مسألة تلافي الملاحظات الصادرة عن الصندوق ستستغرق بعض الوقت، لكنها ليست عبئاً، بل فرصة دعم لعملية الإصلاح، خصوصاً أن العراق لا يخضع لأي برامج إقراض من الصندوق حالياً».
يُذكر أن العراق أعلن في مايو 2024 أن إجمالي القروض التي حصل عليها من صندوق النقد منذ عام 2003 لم يتجاوز 8 مليارات دولار، وقد تم تسديدها بالكامل، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
ورغم الإشادة بالإصلاحات، أشار صندوق النقد في تقريره إلى تحديات مالية تلوح في الأفق، إذ حذر من تفاقم العجز المالي على المدى المتوسط بفعل تراجع إيرادات النفط وارتفاع معوقات التمويل، ما يهدد بخفض الإنفاق العام ويؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي.
ويُتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة 7.5% في عام 2025، ويرتفع إلى 9.2% في 2026. وتُظهر الأرقام تراجع الإيرادات النفطية من 36% من الناتج المحلي في 2024 إلى 31% في 2026، في مقابل ارتفاع الإنفاق العام من 43.5% إلى 43.8% خلال الفترة نفسها، مع تضخم بند الأجور والمعاشات ليشكل 24.5% من الناتج في 2026.
ورغم التوجه نحو تنويع الاقتصاد، لا يزال النفط يشكل المصدر الأساسي لإيرادات الدولة بنسبة تفوق 90%. ويُتوقع أن يرتفع إنتاج النفط من 3.9 مليون برميل يومياً في 2024 إلى 4.1 مليون في 2026، بينما ترتفع الصادرات من 3.4 ملايين برميل إلى 3.5 ملايين برميل يومياً.
وتشير تقديرات الصندوق إلى أن العائدات النفطية ستنخفض من 99.2 مليار دولار في 2024 إلى 84.2 مليار دولار في 2025، ثم إلى 79.2 مليار دولار في 2026، نتيجة تراجع الأسعار من 80.6 دولار للبرميل في العام الماضي إلى 62 دولاراً في 2025.
ويُقدّر أن الرواتب وحدها تجاوزت 67 مليار دولار في 2024، بزيادة 27%، وتشكل 62% من الإيرادات العامة، وما يعادل 69% من الإيرادات النفطية.
وأشار التقرير أيضاً إلى استمرار تسجيل عجز أولي كبير في الميزانية غير النفطية، يبلغ 59.3% من الناتج المحلي غير النفطي في 2024، ويتراجع إلى 51.8% في 2026، مع قفزة متوقعة في الدين الحكومي إلى 62.3% من الناتج المحلي في 2026، بعد أن استقر عند 47.2% في 2024 و2025.