تواجه الأسواق البريطانية موجة اضطرابات جديدة بعد سلسلة من التحولات السياسية التي أضعفت الخطط المالية للحكومة، مما أنهى موجة الصعود القوية للجنيه الإسترليني مقابل الدولار، وأوقف فترة الاستقرار التي شهدها سوق السندات البريطانية.
ويعتقد المحللون أن المملكة المتحدة مقبلة على مرحلة من الضعف المالي الممتد.
شهدت السندات البريطانية «غيلت»، يوم الأربعاء، أكبر انخفاض يومي لها منذ أزمة الرسوم الجمركية الأميركية في أبريل، فيما انخفض الجنيه الإسترليني تحت ضغط تكهنات حول احتمال استقالة وزيرة المالية راشيل ريفز، مما زاد من حالة عدم اليقين حول السياسة المالية.
بعد أن وصل الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوياته مقابل الدولار منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، تشير التطورات الأخيرة إلى أن أيامه القوية قد ولّت، رغم عودة الاستقرار النسبي للأسواق يوم الخميس. عمليات البيع المكثفة للسندات أعادت إلى الأذهان أزمة الموازنة التي وقعت في عام 2022 خلال فترة حكم ليز تراس القصيرة، وكشفت عن هشاشة سوق السندات أمام الاضطرابات المالية.
نيك ريس، رئيس قسم البحوث الاقتصادية في «Monex Europe»، قال، لـ«رويترز»: «من بين جميع توقعاتنا المحدثة هذا الشهر، توقعات الجنيه الإسترليني شهدت أكبر تعديل».
أضاف أن الجنيه قد ينخفض إلى 1.33 دولار خلال ستة أشهر، مقارنة بمستواه الحالي البالغ حوالي 1.37 دولار، مشيراً إلى أن هذا التراجع يعتمد على مراجعة جوهرية لآفاق المالية العامة في بريطانيا.
رغم أن الإسترليني حقق مكاسب بنحو 9% مقابل الدولار منذ بداية العام، مستفيداً من حالة عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، إلا أنه تراجع بنحو 4% مقابل اليورو و5% مقابل الفرنك السويسري، مع تصاعد قلق المستثمرين من تباطؤ النمو وزيادة الضغوط المالية بعد عام من فوز حزب العمال.
ويرى «مارك داودينغ»، مدير الاستثمار لدى «RBC BlueBay Asset Management»، أن رئيس الوزراء كير ستارمر قد يضطر إلى الإعلان عن زيادات ضريبية في موازنة الخريف. نيك ريس يتوقع أن يتراجع الجنيه بنسبة تصل إلى 10% أمام اليورو خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، في ظل بقاء اليورو حول مستوى 86.35 بنس حالياً.
الضغوط على المالية العامة البريطانية تفاقمت بعد أن تراجع ستارمر جزئياً عن تشديد شروط الإعانات طويلة الأمد، مما قد يكلف الميزانية نحو 3 مليارات جنيه سنوياً. كما أن قرار إعادة دعم فواتير الطاقة الشتوية لبعض المتقاعدين سيضيف عبئاً إضافياً قدره 1.5 مليار جنيه.
ريفيز صرحت في مارس أن هامش التحرك المالي للحكومة لا يتجاوز 10 مليارات جنيه، وهو ما يعزز احتمال اللجوء إلى مزيد من الضرائب للالتزام بقواعد السياسة المالية. زيادة تكاليف الاقتراض نتيجة تراجع الطلب على السندات قد تعمّق هذه الأزمة.
تراجع العائد على السندات البريطانية لأجل 30 عاماً إلى 5.34%، لكنه لا يزال مرتفعاً بعد القفزة التي سجلها الأربعاء.
أوضح كريغ إنشز، مدير إدارة الفائدة والسيولة لدى «Royal London Asset Management»، أن مخاوف الأسواق من احتمال أن يتخلى وزير مالية جديد عن القواعد المالية التي وضعتها ريفيز دفعت العديد من المستثمرين للتخلي عن السندات طويلة الأجل، مضيفاً أنه يرى في تراجع الأسعار يوم الخميس فرصة للشراء. وفي محاولة لطمأنة الأسواق، نفى ستارمر، الأربعاء، وجود نية لاستقالة ريفيز.
تراجعت العملة البريطانية بنسبة 1%، الأربعاء، بعد أن استفادت سابقاً من ضعف الدولار الأميركي، لكن حركة سوق الخيارات تشير إلى تحول في التوقعات.
منذ 2 أبريل، كانت الخيارات تظهر ميلاً لشراء الجنيه، لكن هذه الديناميكية انقلبت بشكل حاد، الأربعاء، ما يشير إلى ضعف ثقة المستثمرين في استمرار قوة العملة.
نيك كينيدي، استراتيجي العملات في «Lloyds»، يرى أن اليورو قد يرتفع إلى ما بين 87.40 و87.60 بنس خلال الأشهر المقبلة، بل قد يصل إلى 90 بنساً، وهو ما يمنح الاقتصاد البريطاني فرصة للتنفس وسط التحديات العالمية والمحلية. كما أشار إلى أن ضعف الجنيه قد يشكل ميزة تنافسية للمصدرين البريطانيين.
أضاف أن الفرق بين الوضع في ألمانيا والمملكة المتحدة واضح، فبينما تواصل ألمانيا الاقتراض لتحفيز النمو الاقتصادي، تلجأ بريطانيا إلى الاقتراض؛ لأنها غير قادرة على تحقيق نمو قوي.
أوضح كينيدي: «ما لم تبدأ بريطانيا في مناقشة جدية لكيفية معالجة هذه المشكلات بدلاً من تجاهلها، سيظل تفوق اليورو مقابل الجنيه هو السيناريو الأرجح».
من جانبه، قال نيك ريس إنه لم يشهد هذا المستوى من القلق حول المالية العامة البريطانية منذ أزمة ليز تراس التي أدت إلى انهيار الثقة في السوق وخروجها المبكر من رئاسة الوزراء. واختتم قائلاً: «بالنسبة للمتداولين، الضغط على الجنيه سيتواصل بقوة خلال المرحلة المقبلة».