قد تكون وول ستريت والشركات التكنولوجية الكبرى على وشك مواجهة نقطة تحول بعد عامين استثنائيين. فقد أعلنت الشركة الناشئة الصينية «ديب سيك» عن نموذج جديد للذكاء الاصطناعي (IA) يُتوقع أن يكون أكثر كفاءة وأقل تكلفة من النموذج الذي طورته «أوبن إيه آي» (ChatGPT). ويطرح المستثمرون تساؤلات بشأن هيمنة التكنولوجيا الأميركية، مما يعزز المخاوف من إمكانية تأثر التقييمات الفلكية للشركات التكنولوجية الأميركية.
وفي مواجهة خطر حدوث تصحيح في الأسواق، يهرع المستثمرون إلى الأصول الآمنة، وعلى رأسها سندات الخزانة الأميركية، التي ارتفعت أسعارها مما أدى إلى تراجع عوائدها. وتراجع معدل العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات هذا الاثنين بمقدار 10 نقاط أساس (أي 0.10 نقطة مئوية) ليصل إلى 4.54%.
وأوضح أنطوان أندرياني، رئيس قسم الأبحاث في «إكس تي بي» فرنسا، قائلاً: «استفاقت الأسواق المالية هذا الصباح مع حالة من الارتباك بعد عطلة نهاية أسبوع مليئة بالأحداث البارزة، كان أبرزها نشر «ديب سيك» نموذج R-1، وهو نموذج لغوي يعتمد على الذكاء الاصطناعي تم تطويره في الصين». وأشار مانِيش كابرا، استراتيجي الأسهم الأميركية في «سوسيتيه جنرال CIB»، إلى أن الذعر في الأسواق أمر شائع، وفي الوقت الحالي، يمكن فهمه بالنظر إلى ذروة الاستثنائية الأميركية. وذكر أن الشركات الكبرى الخمس: (إنفيديا وعملاءها الأربعة الرئيسين ميكروسوفت، جوجل، أمازون، وميتا) كانت قد ساهمت بشكل كبير في أداء مؤشر «S&P 500» خلال العامين الماضيين. وفي حال استبعاد هذه الشركات الخمس، لكان مستوى «S&P 500» أقل بنسبة 12%. وهذه "العلاوة الاستثنائية" هي ما يختبره السوق هذا الاثنين.
بالنسبة للمستثمرين، فإن إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي من «ديب سيك» في الصين يظهر أن منتجات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُصنع بتكلفة أقل بكثير مما تعمل عليه الشركات الأميركية الكبرى. وأوضح أنطوان أندرياني أن "نموذج «ديب سيك»، الذي يستخدم حصراً شرائح H800 المصممة للسوق الصيني، يتنافس مع «أوبن إيه آي» وربما يتفوق عليها من حيث الأداء، بينما لا تتجاوز تكلفته 3% من السعر (حوالي ستة ملايين دولار)، ولم يستغرق تطويره سوى شهرين باستخدام شرائح ذات قدرة محدودة". وهذا يثير تساؤلات حول التقييمات الخاصة بشركة «NVIDIA»، فضلاً عن استفسارات حول الاستثمارات الضخمة التي تنفذها الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى (الشركات المتخصصة في تقديم الخدمات السحابية الضخمة) وربحيتها.
وتظل هناك العديد من الأسئلة حول التكلفة الحقيقية لنماذج الذكاء الاصطناعي من «ديب سيك»، وقدراتها وقبول منتجاتها على نطاق واسع. ومع ذلك، يبدو أن السوق يستخدم هذه الأخبار كذريعة لجني أرباح في سوق متضخم وصل إلى أعلى مستوياته التاريخية. وأكد أنطوان أندرياني أن الأداء الأولي للنموذج قد يشكل إشارة تحذير للمستثمرين بشأن التقييمات المرتفعة للأسهم الأميركية. ويطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت الاستثمارات التي تبلغ عدة مليارات من الدولارات في بنية الذكاء الاصطناعي ضرورية حقاً. وكانت الذريعة المثالية لبيع «S&P 500» في ذروته.